كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

وترى هؤلاء أشبه بالشعراء وأهل البيان هم مختلفون في تصور وتصوير المعاني الشعرية والأدبية وإن تواردوا على معاني هي كالأمهات إلا أن لكل منهم طريقة ومذاقه وربما كان الاختلاف في تناول مسائل العلم أكثر سعة ورحابة، وإن الفرق بين كتاب وكتاب في علم واحد أوسع من الفرق بين قصيدة وقصيدة في غرض واحد.
وأن تحليل الفكر البلاغي مختلف لامحالة من باحث إلى باحث مع الاتفاق في الجذور التي لا يتسامح فيها أهل العلم.
وكل ذلك مشروط بالاجتهاد والصبر والانقطاع وإلا رأيت الكلام من الكلام لأن العمل يتميز بوسم صاحبه إذا رشح فيه جبينه كما كانوا يقولون وإذا صبر وصابر وبهذا لا يغر يقع الاختلاف الذي نقول، وهؤلاهم الذين نتكلم عنهم، وهذه الجمهرة من العلماء الذين لهم هذا الفهم وهذه الإصابة هي التي تراها في تاريخ العلوم تنقل علم السلف إلى الخلف نقلا يؤسس على تزكية هذا العلم وتجليته وتنويره، وتنميته وتثميره، نقلا لا يكون إلا بعد أن تودع فيه جهدها وصبرها ويقظتها وكدها ولمحها ونفحها فتصير معرفة السابقين بهذه الإضافات وهذه المراجعات أشبه بزمانها وأقرب إلى طبائع الجيل الذي يأخذ عن هذه الكوكبة الصادقةن وبهذا التقريب وهذه التحلية يصبح اللاحق مستطيعا النظر لا في كلام هؤلاء الذين يأخذ عنهم فحسب وإنما يصبح قادرا على النظر في كلام من أخذوا هم عنهم، يعني يتجاوز التلمذة على شيوخه إلى التلمذة على شيوخ شيوخه الذين كان لهم نفس الجهاد والعكوف والصبر على علم من سبقوهم وأودعوه من جهادهم ونفحاتهم ويقظتهم وإلهاماتهم ما أودعوه، وهكذا ينتقل الباحث من جيل إلى جيل وهو واجد في كل جيل عطاء، ومددا، وثراء فكر وتدقيق نظر حتى يصل إلى أصول المعرفة وجذورها عند الأولين الذين أسسوها وهم في تاريخ العلوم العربية والإسلامية جيل العلماء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فقهوا عنه صلوات الله وسلامه عليه، وقد دلهم صلوات الله وسلامه عليه على هذا

الصفحة 14