كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

عليها يعالجونها وينظرون في جوابنها وظواهرها وبواطنه يجسونها بعقولهم ويثقبونها من هنا وهناك بفهومهم، ويوردون عليها الاحتمالات والاستدراكات والترجيحات ويحتجون لها ويحتجون عليها، وكل هذا ترويض لها حتى تبدي من أسرارها وتكشف من مكنوناتها وهم يفعلون كل ذلك وهم يحصلون ويدرسون ثم يفعلونه وأكثر منه، وهم في حلقات العلم وحولهم تلاميذهم ويجعلون الحوار حول مسائل العلم أصل التفهيم وأساس التعليم، ولا تجد معنى للتجديد والتحديث والمعاصرة في تاريخ كل علوم البشر إلا هذا الذي يتواتر على العلوم بتواتر العلماء والتلاميذ، وقد يكون من طلاب العلم من هو أرحب خيالا وأجنح شرودا فيقع من الفكرة على بارقة تلمح هنا أو هناك فيتنبه الشيخ إلى ما أثاره التلميذ ثم يعالجه بخبرته وحكمته وصبره وعلمه، إلى آخر ما تراه مما هو قائم في علومنا وعلوم غيرنا، وبه تحيا العلوم تتسع وتزدهر وتتجدد ولا تجد شيئا اسمه الجمود ولا التوقف وإنما هذه الحركة في مجملها ويعتورها ما يعتور الأزمان والأمم، والأحوال، وهي جزء من فطرة الحياة متأثرة بالواقع ومؤثرة فيه تراها تنشط حتى تبلغ ذروتها عند الكبار من العلماء.
والذي لا يجوز أن نهمله أن كل كتاب كتبه صاحبه في فرع من فروع المعرفة هو كتاب مرسوم بوسم زمانه ومكانه وصاحبه، وهذا أمر لا يجوز في العقل خلافه، وتأمل نفسك وعقلك وفكرك وخواطرك تجد أنك مردود الزمن الذي أنت فيه، أنت مردود الحياة الفكرية في زمنك،؛ أنت كتاب من مكتبة هذا الزمن، ولوتصورنا أنه لم يوجد في مصر احتلال ولا كرومر ولا لطفي السيد هل كان سيوجد طه حسين بهذهالصورة التي عرفناها عنه رحمه الله، ولو كانت ممن درسوا تاريخ هذا الزمن لحكمت حكما قاطعا با، طه حسين حصيلة مواقف "وبلورة" اتجاهت ودعه ورحخه الله وأسال لو لم توجد حركة الإنجيل المضادة للقرآن في مصر والتي أفرزت أمثال سلامة موسى وغيره هل كان مصطفى صادق الرافعي يمكن أن يكون بالصورة التي عرفناها؟
لا شك أن السطور التي تكتب في الزمن إنمكا كتبت بمداد الزمن نفسه وأن

الصفحة 17