كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
علومنا كتبت بمداتد كل عصر لأن علماءنا كانوا يعيشون الزمن بكل تيارته، ولم أعرف منهم من ولي الحياة ظهره ولا عاش مطأطئ الرأس يتقمم من هنا وهناك في خسة، وقد أهملنا دراسة الأطر الفكرية التي تحكم أزمانا معينة وتبطعها بطابعها حتى إنك لتجد المؤلفات في الفنون المخلفة في زمن معين ذات طابع يميزها.
ولم أعرف علماء جيل طلبوا من تلاميذهم أن يتعلموا العلوم من تراث ن سبقوهم ,إنما قدموا لهم العلم وأغروهم به وفتحوا شهواتهم به وأطعموهم ثم ارتدوا وهم معهم برفق إلى تراث من سبقوهم وهكذا كما قدمت.
وإذا كان كل جيل في حاجة ضرورية موماسة إلى هذا فإن جيلنا الذي نعلمه أشد الأجيال حاجة إلى ذلك لأنه يواجه ما لم يوجهه جيل سابق في التاريخ كله، ويواجه عوامل شرسة وطاغية ولها وسائل كثيرة تفصم بينه وبين علومه التي هي علوم أمته وتفصم بينه وبين تاريخه، وقد حدث أمر غريب هو أن بعض الأونظمة أكد لها نصحاؤها من اليهود والنصارى وملاحدة الإسلام أن العلوم العربية والإسلامية هي التي تربي الأجديال على التعصب والإرهاب، وأن تغييبها من المناهج ضروري لوجود السلام الاجتماعي، وصدق إخواننا هذا واجتهدوا في إبعاد هذه العلوم وتغييبها والتنفير منها، وغالبا ما يتولى أمر الثقافة والتعليم رجال لا صلة لهم بهذه العلوم ولا بحضارة الإسلام وتاريخه وربما كان منهم المادي والماركسي ومن نشأ وترعرع في أنظمة الجهاز الطليعي، وأفضل هؤلاء الرجال وأعقلهم الذي لا يغيب هذه العلوم دفعة واحدة حتى لا يتعرض لهجوم أهل البلاد ولا تجد من بين من يتولى رجلا يتحمس لها مع أن هذا هو الأصل، والقضية قضية كيان كما قلت، والمهم أن وسائل كثيرة وجهنمية تحول بين الجيل وبين هذه العلوم، وقد شاهدت في مسلسلة تلفيزيونية طالبا في مراحل التعليم المتوسطة يرفض أن يقرأ شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي، ويسأله أبوه لماذا؟ فيقول: لأنهم منافقون يمدحون الرجل مرة ويهجونه مرة، فيقف الأب المثقف المستينر عاجزا أما وجاهة ما يقوله هذا
الصفحة 18
304