كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
الطفل بفطرته. ولا يجد سبيلا إلى إقناعه، يعني كأن أدب هذه الأمة مخالف للفطرة الإنسانية، وكأنه صدر عن بشر ليسوا من زرع آدم. وقلت: لو أن هذا كتب في غير أمتنا وأوطاننا لحوكم المؤلف والممخرج بتهمة الخيانة الوطنية لأنه ليس هناك أمة تسمح بأن يخاطب جيلها في شأن تاريخها وأدبا بهذا الخطاب.
والمهم أن هذا الجيل الذي هذا حاله يستوجب منها جهادًا أكبر وأنه من الخطأ الفاحد أن نطالبه حنن بأن يتعلم النحو والبلاغة بلغة العصور الخيالية، وأننا لما فعلنا ذلك أوشكنا أن نفقده وأوشك الاتجاه الذي وراءه ضلال النصارى وملاحدة الإسلام أن يظفر به.
لابد أن نكتب المعرفة لأبنائنا كتابة نغيريهم بها ونفتح شهيتهم إليها، وليس المراد كتابة مختصرات في علومنا يبدأ بها الطلاب والتحصيل فحسب وإن كان هذا من المقاصد الأساسية وإنما بلابد أن نكتبها كتابة كاملة وافية نودع فيها كل ما عندنا، وكل اجتهاداتنا ورؤانا وخواطرنا كما كتب ابن هشام النحو وقد كتبته قبله أجيال من أفذاذ العلماء وكما كتب كل كيل علمه على الحد الذي وصفناه ثم إنه لا يكفي أن يكتبها واحد أو اثنان أو عشرة وإنما نكون في هذا كغيرنا من أمم الأرض كلها في التاريخ أن تكون علومها هي مادة البدرس والتعليم والتحليل في مدارسها وجامعاتها ومجامعها الفكرية والأدبية وأروقه البحث ومجالس العلماءن وكل ما يدور به الفكر ويدور عليه لا يشذ من هذا أحد، وهذا هو الذي عليه الرشد مقتضى العقل، وبهذه الوفرة من العلماء والدراسين وطلاب العلم وكتا بالأمم وقارئها، والمشتغلين بالفكر والأدب والثقافة فيها تبرز المعطيات المتنوعة والمختلفة والاتجاهات والحظوظ من الإصابة والتوفيق، ويجد الجيل بين يديه من التنوع والاختلافات ما يستقطب نشاطه ويشبع طموحه فتتفتح الأزاهير وتستقبل سحائبها وتخرج الأرض خبأها والأجيال رجالها وقادتها.
حينئذ لا تجد باب من أبواب العلم يتوارى وينطوي على ودائعه ويدخل دائرة
الصفحة 19
304