كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

فقال عمر: لعل ذلك، والأصل فإن ذلك لك، أي: أن صلتك بنا وقرابتك لنا مسلمة لك لا نأباها ولا نماري فيها، وكذلك قوله: لعل ذلك أي لعل هذه الحاجة تسير لك وتقضي.
وقد جرت الأساليب على إسقاط المسند في مواضع ذكرها النحاة، مثل القسم الصريح، وبعد لولا، والحال الممتنع كونها خبرًا، وبعد واو المصاحبة الصريحة، وبعد إذا الفجائية، والحذف في هذه الصور يرجع حسنه إلى امتلاء العبارة، وقوة دلالتها.
انظر إلى قول عمر لما هم بأن يرجم حاملا حين زنت، فقال له على رضي الله عنه: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها، فكف عمر عن الفعل، وقال: لولا علي لهلك عمر، انظر إلى حسن العبارة، ووجازتها لما وقعت في سياق مليء، ولهذا لا نمضي مع القول بأن هذه دراسة نحوية، وليس فيها تصرف يدخلها في باب الدراسة البلاغية التي تعتمد على الاختيار بين الممكنات من الأساليب، وانتخاب أفضلها، وكيف يستساغ القول بأنه لا بلاغة فيما لا يجوز سواه؟ بل إني أظن أنا ما لا يجوز سواه هو الأولى بالدراسة، والنظر المتذوق؛ لأنه لم يتعين إلا لحسن فيه يغري بتفرده في الاستعمال، ولا أظنك تغغل عن رشاقة هذه الجمل التي سوقها النحاة في باب الخبر من مثل قولهم: لعمرك لأفعلن، وضربي زيدا قائما، وكل رجل وضيعته، نعم إنها جمل حلوة تلفت النفس بوجازتها، وإن كانت مقتطعة، أو خالية من السياق الذي يضفي على العبارات مزيدا من الحياة والقوة، وقد ألفنا أن نسمعها، ونحن نتعلم صنعة الإعراب، فلم نلتفت إلى ما بنيت عليه من صنعة بلاغية، وواضح أن قول عمر: لولا علي لهلك عمر، في سياق القصة التي ذكرنها يختلف اختلافًا بينا عن قول النحاة: لولا علي لهلك عمر، وهكذا مستقلا وحده، وكأنه يمعنى معلق في الهواء، الجمل التي يذكرها النحاة، والتي قدمناها جمل عذبه، وإن كان طريقها متعينا؛ لأن المتكلم لا يستطيع أن يقول: لعمرك يميني لأفعلن، ولا أن يقول: ضربي زيدا حاصل إذا كان

الصفحة 279