كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

وصحته مع حذفه وترك النطق به، ثم إنك إن عمدت إلى إن فأسقطتها، وجدت الذي كان حسن من حذف الخبر لا يحسن أو لا يسوغ، فلو قلت: مال وعدد ومرتحل، وغيرها إبلا وشاء لم يكن شيئا"، ثم ذكر سر هذا الحذف مع إن وفساده بدونها بقوله: "وذلك أن إن كانت السبب في أن حسن حذف الذي حذف من الخبر، وأنها حاضنته والمترجم عنه، والمتكفل بشأنه"، وافهم منه أن إن تفيد في لسان القوم توكيد النسبة، فهي لا تدخل إلا على جملة مكونة من مسند ومسند إليه، فإذا حذف المسند فهي دالة عليه؛ لأنه لا يتصور كلام منها ومن اسم واحد، أي لا يصح قوله: إن إبلا بدون تقدير، وهذا معنى أنها حاضنته ومتكفلة به، فإذا سقطت إن من الكلام وقلنا: إبل أو غنم، احتمل أن يكون مرادنا هو اللفظ المفرد إذ ليس هناك ما يوجب التقدير، وتأمل كلمة حاضنته، وإنها من الكلام الذي تجد فيه لألفاظ اللغة حيوات كحيوات البشر.
وقد يجي الكلام على الحذف، ثم تراه يحتمل تقدير أن يكون المذكور هو المسند والمحذوف المسند إليه، والعكس.
ومن هذه الصورة قوله تعالى: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} 1، قالوا: قد يكون المحذوف مسندا إليه، والتقدير أمري صبر جميل، وقد يكون المحذوف مسندا، والتقدير فصبر جميل أجمل، وقد رجح الوجه الأول بمرجحات ذكرها سعد الدين في المطول منها أن حذف المسند إليه أكثر وقوعا في كلامهم من حذف المسند، فحمل الآية عليه أولى، ومنها: أن سوق الكلام للمدح بحصول الصبر ليعقوب عليه السلام، وحين يكون المحذوف هو المسند إليه، والتقدير أمري صبر جميل يكون هذا الكلام دالا على حصول الصبر له عليه السلام، أما تقدير أن يكون المحذوف مسندا
__________
1 يوسف: 18، 83.

الصفحة 282