كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

والأصل فصبر جميل أجمل، فليس فيه ما يدل دلالة مباشرة على حصول الصبر لسيدنا يعقوب عليه السلام.
ومن هذه الصور قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} 1، يحتمل أن يكون المحذوف هو المسند إليه، والتقدير هذه سورة أنزلناها، ويحتمل أن يكون المحذوف مسندًا والتقدير: فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها.
وقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} 2 يحتمل أن يكون التقدير طاعتكم طاعة معروفة؛ لأن الخطاب للمنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، أو أمركم والذي يطلب منكم طاعة معروفة كطاعة الخلص من المؤمنين الذين طابق باطن أمرهم ظاهره لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم، وقلوبكم على خلافها، والمحذوف في كل هذا هو المسند إليه، وقد قوي ابن جني هذا التقدير بما أنشده لابن أبي ربيعة من قوله: "من الطويل"
فقالت على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كانت قد كلفت ما لم أعود
فقد جاء الأسلوب فيه على ذكر المحذوف، وهو فيه مبتدأ كما ترى.
ويحتمل أن يكون المحذوف هو المسند، والتقدير طاعة معروفة أولى بكم، وهذا النوع من التراكيب يذكر له البلاغيون فضيلة زائدة على الصور التي يتحدى فيها نوع المحذوف، هذه الفضيلة هي تكثير الفائدة؛ لأن الكلام الذي يحتمل وجهين يكون أوفر معنى وأغزر دلالة، ووفرة التأويلات من فضائل الكلام الجيد.
ومن أخصب وأدق ما نوقش في هذا الباب الذي يحتمل الحذف فيه وجهين قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} 3.
__________
1 النور: 1.
2 النور: 53.
3 النساء: 171.

الصفحة 283