كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

فإنه يجوز في الآية الكريمة أن يكون المحذوف هو المسند، والتقدير لنا أو في الوجود آلهة ثلاثة، وتكون الجملة مكونة من مبتدأ هو آلهة، وصفة هي قوله ثلاثة، وخبر مقدم لنا أو في الوجود، ثم حذف الخبر، وحذفه مطرد في كل ما معناه التوحيد مثل: لا إله إلا الله، أي: لا إله موجود إلا الله، ثم حذف الموصوف وهو آلهة، وحذف الموصوف واقع في كلامهم، فصار ولا تقولوا ثلاثة ... ويحتمل أن يكون من حذف المسند إليه والتقدير، ولا تقولوا: الله والمسيح وأمه ثلاثة، أي لا تعبدوهم كما تعبدون الله، ولا تسووا بينهم في الصفة والرتبة، وذلك من قولهم: إذا أرادوا التسوية بين اثنين هما اثنان أي متساويان في الرتبة، وإذا أرادوا إلحاق واحد باثنين قالوا: هم ثلاثة..
وقد قيل: إن التقدير في الآية، ولا تقولوا: آلهتنا ثلاثة ... وهو قول فاسد، وفيه خطأ كبير.
وبيان ذلك أنك إذا سلطت النفي على الجملة لا يتوجه النفي إلى أحد طرفيها، وإنما يتوجه إلى الحكم القائم بين الطرفين، وهذه قضية ثابتة، فإذا قلت: ليس زيد بمنطلق فأنت لم تنف زيدا، ولم توجب عدمه، وإنما تنفي إثبات معنى الانطلاق لزيد، وإذا قلت: ليس زيد النحوي عاقلا، فأنت لم تنف عن زيد كونه نحويا، وإنما نفيت عنه كونه عاقلا، وإذا قلت: ليس أمراؤنا ثلاثة، فأنت لم تنف أن لنا أمراء بل توجب ذلك، وتثبته وإنما تنفي أن تكون عدتهم ثلاثة، فإذا قلت: ليست آلهتنا ثلاثة، فأنت لم تنف وجود الآلهة بل توج بذلك وتقرره، وإنما تنفي أن تكون عدتهم ثلاثة، وهذا واضح، وفيه ما ترى.
أما قولنا: ليس لنا آلهة ثلاثة أو ليس في الوجود آلهة ثلاثة، فإنه نفي، لأن تكون لنا آلهة أو في الوجود آلهة، ولذلك لا يصح في مثله أن نقوله: ليس لنا أمراء ثلاثة، وإنما هم أربعة أو هم اثنان، هذه إحالة، وهو بخلاف قولك:

الصفحة 284