كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

ليس أمراؤنا ثلاثة، وإنما هم أربعة أو اثنان، وهذا كلام صحيح، فتأمل ذلك، فإنه ملخص من كلام شريف في دلائل الإعجاز.
وإذا أحسنت التدبر، والقياس علمت بعد الذي ذكرناه وجه الفساد في قولهم في قراءة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} 1، بحذف تنوين عزير: إنه جاء على حذف المسند، والتقدير عزير ابن الله معبودنا، وذلك من حيث أفادت العبارة إثبات المسند إليه -عزير ابن الله- وخروجه من حد النفي -كما يخرج زيد النحوي من حيز النفي في قولنا: ليس زيد النحوي عاقلا، وإنما يتسلط النفي في ذلك كله على النسبة والحكم، ومثله أنك تقول: ليس زيد بن علي حاضرًا، فتنفي حضوره فقط، ولا تنفي كونه ابن علي بل تعترف بذلك.
وكذلك الحال في الآية؛ لأن قوله: ابن الله صفة لعزير، وحذف التنوين من عزير كما يحذف من زيد في قولك: زيد بن علي فالإنكار لا يتجه إلى الصفة في الآية، وإنما يتجه إلى الخبر، هذا ما قالوه وهو فاسد، وفيه ما ترى.
والوجه في الآية أن يكون التنوين مرادًا، وإنما حذف لالتقاء الساكنين كقراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} 2، بحذف التنوين من أحد، وقول أبي الأسود الدؤلي: "من المتقارب"
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا
بحذف تنوين ذاكر، فأصل عزير ابن الله بدون تنوين هو عزير ابن الله بالتنوين، ثم حذف بدل الحركة التي يختلسها اللسان، والتي تشعر بها حين تسمع نفسك، وأنت تنطق عزير ابن الله بالتنوين تجد كسرة خاطفة على نون التنوين يختلسها اللسان اختلاسا؛ لينتقل إلى نطق الباء الساكنة من ابن، وهكذا في أكثر كلامهم يحركون التنوين هذه الحركة الخافتة جدا تفاديا لالتقاء الساكنين، وأحيانا يحذفون هذا التنوين كما أشرنا.
__________
1 التوبة: 30.
2 الإخلاص: 1، 2.

الصفحة 285