كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

والخلاصة أن جملة عزير ابن الله من غير تنوين جملة مكونة من مبتدأ، وخبر ولا حاجة فيها إلى الحذف ...
وقد يبنى الكلام على حذف المسند إليه والمسند، ويكون التركيب حينئذ أكثر امتلاء، وأكثر إصابة حين يصدر عن طبع موات، وفطرة قوية غير متكلفة ومن ذلك قولهم: "أهلك والليل"، يريدون الحق أهلك، وبادر الليل أن يحول بينك وبينهم، وأظن أنه لا يخطئك أن تدرك الملاءمة الواضحة، والفرق بين إيجاز هذا التعبير، ومدلوله كأن المتكلم يحرص على أن يقذف إليه الخبر بسرعة حتى يبادر باللحاق بأهله أن يدركه الليل، ومن لطيف ذلك، ونادره قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا، إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} 1، وأراد بطغواها بطغيانها، ولكنهم يقبلون ألف فعلى واوا للفرق بين الاسم والصفة، وأشقاها هو قدار بن سالف أحيمر ثمود، وكان أشأم على قومه من ناقة البسوس، وأبشع جناية عليهم من براقش، وكم تعاني الأمم من مثله.
والمهم هو قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} ، أراد: ذروا ناقة الله واحذروا عقرها، وحسن الحذف هنا ليس له نهاية، وكان صالحهم صلوات الله وسلامه عليه مرجوا فيهم، رحيما بهم، يخاف أن يمسهم من ربهم عذاب، فصاح بهم محذرًا ملهوفا: ناقة الله وسقياها، ولو قال: ذروا ناقة الله وذكر الفعل، والفاعل أي المسند والمسند إليه لذهب بكل ما يدل عليه الحذف هنا من لهفة نفسه، وشدة حرصه على نجاة قومه، واندفاعه السريع نحو دفع الخطيئة الموبقة لهم، وقد تفسر جمال الحذف في أساليب التحذير، والإغراء بما يشبه هذا الذي ذكرناه.
__________
1 الشمس: 11-13.

الصفحة 286