كتاب خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
الخبرية لأغراض أخرى سوى إفادة الحكم، أو لازمه كقوله -تعالى- حكاية عن امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} 1 إظهارا للتحسر على خيبة رجائها، وعكس تقديرها، والتحزن إلى ربها؛ لأنها كانت ترجو وتقدر أن تلد ذكرًا، وقوله -تعالى- حكاية عن زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} 2 إظهارًا للضعف والتخشع، وقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 3، الآية، إدراكًا لما بينهما من التفاوت العظيم، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، ومثله: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} 4 تحريكا لحمية الجاهل، وأمثال هذا أكثر من أن يحصى".
__________
1 آل عمران: 36.
2 مريم: 4.
3 النساء: 95.
4 الزمر: 9.
أضرب الخبر:
يراد بالبحث في هذا الموضوع دراسة الخبر من حيث التوكيد وخلافه، والبلاغيون يقولون: إن المخاطب إذا كان خالي الذهن من الحكم بأحد طرفي الخبر على الآخر والتردد فيه، استغنى في صياغة الجملة عن المؤكدات كقولك: جاءني زيد وأكرمت عمرا لخالي الذهن؛ لأن هذا الخبر يتمكن في نفسه من غير توكيد لمصادفته إياه خالياه، كما قالوا:
وإن كان المخاطب متردد في إسناد أحد الطرفين إلى الآخر -أعني في النسبة- حسن في هذه الحالة تقوية الخبر بمؤكد مثل: لزيد قائم أو إن زيدا قائم.
وقد لحظ البلاغيون أن وجود التردد في النفس يتقضي هذا الضرب من الصياغة المؤكدة، ولو كان الخبر على وفق ظن المخاطب، فأنت تقول: إنه صواب للمتردد
الذي يميل إلى أنه صواب، وليس فقط للمتردد الذي يميل إلى