كتاب فن التحرير العربي

{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد:6] "فعليتان".
{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14،13] "اسميتان".
وقد تنتفي هذه المشاكلة فلا تكون الجملتان المتعاطفتان كذلك لغرض تقضيه الدلالة كقول الله سبحانه وتعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] .
فهنا جاءت الجملة الأولى فعلية للدلالة على معنى الحدوث والتغير، وجاءت الجملة الثانية اسمية للدلالة على معنى الثبوت والدوام.
ومن الأمثلة الرائعة على التلاؤم والتناسب بين الجمل المتعاطفة:
قول علي بن أبي طالب "رضي الله عنه" كفى بالعلم شرفًا أو يدعيه من لا يحنسه، ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل خمولًا أنه يتبرأ منه من هو فيه، ويغضب منه إذا نسب إليه.
وقد ركز البلاغيون على ما أسموه بالجامع بين طرفي الكلام المتعاطف، وبذلوا جهدًا كبيرًا لإدراك ما غمض منه مستعينين بألوان شتى من المعارف، ومن أمثلة ذلك ما أشار إليه الزمخشري حين عكف على توضيح المناسبة الخافية بين طرفي الجملتين في قول الله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:6] فأشار إلى أن الشمس والقمر سماويان، النجم والشجر أرضيان، بين القبيلين تناسب من حيث التقابل وأن السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين، وأن جرى الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله، فهو مناسب لسجود النجم والشجر فالرابطة المعنية هنا قوية.
والواو تبرز حين تتقارب الجملتان، وتسقط حين تتباعد.

الصفحة 101