كتاب فن التحرير العربي

الرأي والعقيدة نموذج لتلخيص المقال:
أولًا- المقال:
فرق كبير بين أن ترى الرأي وأن تعتقده، إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك، وسرى في مخ عظامك، وتغلغل إلى أعماق قلبك.
وذو الرأي فيلسوف، يقول إني أرى الرأي صوابًا، وقد يكون في الواقع باطلًا، وهذا ما قامت الأدلة عليه اليوم، وقد تقوم الأدلة على عكسه غدًا، وقد أكون مخطئًا فيه وقد أكون مصيبًا، أما ذو العقيدة فجازم بات لا شك عنده ولا ظن، عقديته هي الحق لا محالة، هي الحق اليوم، وهي الحق غدًا، خرجت عن أن تكون مجالًا للدليل وسمت عن معترك الشكوك والظنون.
ذو الرأي فاتر أو بارد، إن تحقق من رأي؛ ابتسم ابتسامة هادئة رزينة، وإن لم يتحقق ما رأى؛ فلا بأس، فقد احترز من قبل بأن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب، وذو العقيدة حار متحمس لا يهدأ إلا إذا حقق عقيدته كيف يعمل لها ويدعو إليها، وهو طلق المحيا، مشرق الجبين، إذا أدرك غايته أو قارب بغيته.
ذو الرأي سهل أن يتحول ويتحور، هو عبد الدليل أو عبد المصلحة تظهر في شكل دليل، أما ذو العقيدة فخير مظهر، له ما قاله رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ": "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته". وكما يتجلى في دعاء: "اللهم إيمانًا كإيمان العجائز".
__________
1 من كتاب فيض الخاطر لأحمد أمين.

الصفحة 161