كتاب فن التحرير العربي

نموذج للرسالة الأدبية:
1- الرسالة الثانية عشرة:*
عزيزتي يا فدوى
أنا واثق من أنك لم تنسي هذا الإنسان، الذي يكتب إليك لأنه؛ هو نفسه لم يستطع أن ينساك منذ أن قال لك ذات يوم وداعًا، وأنا واثق من أنك قد تساءلت بينك وبين نفسك عن سر انقطاعه عن القراء منذ أربعة أشهر، حيث كان يلقاهم ويلقاك على صفحات "الآداب".. ألا ما أطولها فترة مرت عليه لأنها؛ كانت حافلة بالألم والعذاب ... وما كان أقسى نهايتها بالنسبة إلى الفكر والشعور ... ؛ لأن هناك عملية جراحية خطيرة تنتظره بعد أيام.. ولم يكن هناك مفر لأنها؛ الأمل الوحيد في الخلاص من عذابه، عذاب الجسم والنفس الذي استمر أربعة أشهر وكأنها أربعة قرون طوال.. وعلى الرغم من هذا كله فإنه مايزال يحتفظ بابتسامته التي تعرفينها عنه، ولولا هذه الابتسامة لانهار كل شيء، وفقد الإيمان بكل شيء ... إن من الأشياء العزيزة عليه والتي ظل مؤمنًا بها حتى هذه اللحظة، ما كان بينك وبينه من صلات الروح.. ولهذا فقد آثر أن يكتب إليك قبل أن يضع مصيره بين يدي الجراح! لقد كتب إليك من قبل، يوم تعرض لمثل هذه المحنة، ولكن بعد أن قدرت له النجاة.. وكم كان يود أن يرجئ هذه الرسالة كما أرجأ تلك حتى لا يزعجك.
ولكنه خشى أن يكون في الغيب المجهول ما لا ينتظره ويتوقعه فيحرم من لقائك ولو بين السطور والكلمات.. إنه يعتقد أن دعواتك له لن تذهب هباء؛ لأنها دعوات قلب حزين تركه منذ عام في نابلس، كما ترك دعوات قلب حزين آخر في الريف منذ أيام إنهما قلب أمه وقلبك. والقلوب الحزينة دائمًا هي أقرب ما تكون إلى الله!!
__________
* من كتاب رجاء النقاش، صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر.

الصفحة 179