كتاب فن التحرير العربي

وهناك شبه اتفاق على أن العمل الإبداعي الشعري يمر بمراحل ثلاثة:
أولًا: الحافز أو المثير الذي قد يكون على شكل تجربة أو موقف اجتماعي أو نفسي حيث تتفاعل في نفس الشاعر أمشاج متباينة.
ثانيًا: المرحلة الثانية تتمثل في تأمل التجربة واستيعابها وجدانيًا ونفسيًا وعقليًا، إذ تصبح الشغل الشاغل للشاعر، وهذه ما يطلق عليه مرحلة "الاختمار" وهي تتم بطريقة تلقائية.
ثالثًا: المرحلة الثالثة، وهي مرحلة المخاض حيث يعاني الشاعر انبثاق القصيدة، وتحققها أثناء الكتابة.
رابعًا: مرحلة التنقيح حيث تخضع القصيدة للمراجعة.
وقد حفلت كتب النقد القديم بوصايا متعددة للشادين في هذا المضمار الذين يهيئون أنفسهم ليكونوا شعراء، وهم إذ يقرون بأن الشعر طبع وموهبة، يؤكدون أن الشاعر ينبغي أن يلم بمجموعة من القوانين الأساسية، فالشعر له جانبان متداخلان: جانب فطري مرتبط بالحساسية التي يتميز بها الشاعر والتي تمكنه من إدراك ما لا يدركه الآخرون، وجانب آخر مرتبط بالتعليم والأصول المتعارف عليها، وبدون هذين الجانبين يغدو العلم بالشعر مستحيلًا، وتداخل هذين الجانبين يعني أن جانب التعليم يمكن أن يصحح جانب الطبع، كما أن جانب الطبع يمكن أن يرشد خطى التعليم1. وقد كان القدماء يقرون بضرورة التعليم والتلمذة كسبيل إلى إتقان الصنعة الشعرية، فقد كان كثيرعَزَّة قد تتلمذ على جميل بثينة، وأخذه جميل عن هدبة بن خشرم، وهدبة عن بشر بن أبي خازم، وكان الحطيئة قد أخذ علم الشعر عن زهير، وأخذه زهير عن أوس بن حجر، وكذلك جميع الشعراء العرب المجيدين المشهورين، وقد علق على ذلك حازم القرطاجني وهو من كبار نقادنا القدامى، قال: "فإذا كان أهل ذلك الزمان قد
__________
1 د/ جار عصفور: مفهوم الشعر، دراسة في التراث النقدي، دار التنوير للطباعة والنشر، ط2 سنة 1982م ص135.

الصفحة 237