كتاب فن التحرير العربي

الفصل:
وقد أشار النحويون الأقدمون إلى ذلك، فإذا قويت العلاقة بين الجملتين اتصلتا من ذات نفسيهما، وتداخلتا وصارتا كالشيء الواحد، وهذا يحتاج إلى مزيد من التأمل، لهذا لا داعي لوجود الواو إذا كانت الجملتان متصلتين تمام الاتصال وهو ما يعرف في المصطلح البلاغي بكمال الاتصال، ويكون ذلك في المواضع التالية:
أولا- إذا كانت الجملة الأولى مؤكَّدةً مِنْ قِبَلِ الجملة الثانية، وإدراك ذلك لا يتأتى إلا بعد طول تأمل لمن صفا ذهنه وسما ذوقه، ومن أمثلة ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] فالجملتان التاليتان مؤكدتان للأولى ولهذا لم يكن ثمة داع للواو.
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} [لقمان:7] .
{فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:17] وهذا توكيد لفظي.
{مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31] .
{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف:40] .
ومن أبرز الأمثلة على ذلك آية الكرسي فجملها تجري على هذا النحو من التوكيد ومن أمثلة ذلك قول الشاعر:
يهوى الثناء مبرِّز ومقصر ... حب الثناء طبيعة الإنسان
فقد جاء الشطر الثاني من البيت بمثابة تعليق يحتوي على حقيقة عامة تؤكد المعنى السابق ومن أمثلة ذلك:

الصفحة 92