كتاب فن التحرير العربي

أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} [الأحزاب:7] فجملة وأخذنا مهم ميثاقًا غليظًا توكيد للجملة الأولى، ولكن الله سبحانه وتعالى ربطهما بالواو لكي يبرز شأن الميثاق ويفهمه كما لو كان مغايرًا لما سبقه، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} .
ولا تذكر الواو بين الجملتين حينما يكون بينهما تغاير تام وهو ما اصطلح على تمسته كمال الانقطاع، وذلك في الأحوال التالية:
أ- إذا اختلفت الجملتان خبرًا وإنشاءً، لفظًا ومعنى، نحو ما جاء في قول الله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] فالجملة الأولى إنشائية والثانية خبرية، وفي قول الشاعر:
لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر
وفي قول الشاعر أيضًا:
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
ب- إذا لم تكن بينهما مناسبة في المعنى، ولا ارتباط بين المسند إليه يهما، وبين المسند كقول الشاعر:
وإنما المرء بأصغريه ... كل امرئ رهن لما لديه
ومن الشواهد على كمال الانقطاع {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:117] {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام:101] .

الصفحة 96