كتاب حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر
ورضوانه، إنه هو المجيب لكل طالب وسائل، والقريب الذي من دعاه استمسك بأنفع الوسائل.
أما بعد فيقول العبد الفقير، والضعيف الحقير، المتبرىء من كل حول وقوة، والمتبوىء نفسه لخدمة ذوي الفضل والفتوة، الأسير الفاني، والكسير الجاني، المفتقر إلى عفو مولاه المحسان الغفار، عبد الرزاق ابن المرحوم حسن بن إبراهيم البيطار أصلح الله خلل حاله، ونشله بمنه وكرمه من نكبة أوحاله، أن أحلى ما يتحلى به جيد الإنسان، وأولى ما يتملى منه الأديب الولهان، علم يكتسي به ويكتسبه، وفضل يتزين به وينتخبه، وفائدة يبيض غابر عمره بتسويدها، وعائدة يصرف نقد أيامه ولياليه بتقييدها، ودرة ساقطة من معدن الإطلاق يلتقطها، أو قلادة من قريحته ينظمها خوف الشرود ويسبطها، أو سيرة لمن سبق يرقمها، أو رقيقة من بدائع البدائه يحررها ويرسمها:
من كل معنى ولفظ ... كخمرة في زجاجه
يسري النسيم إليه ... يبغي لديه علاجه
فإن الكامل هو الذي يشتغل بما يجله، لا بما يسقطه في أودية الهوان ويذله، وقد كنت معروفاً بجمع لآلي أخبار السادة والأعيان، مشغوفاً بالتقاط آثارهم المزرية بعقود الجمان، حتى رقمت من أخبارهم أوراقاً شتى، بيد أنني إذا أردت الوقوع على مراد منها لا أجتمع به حتى وحتى، فعن لي أن أجمعها في كتاب تعذب مطالعته، وتقرب على الطالب مراجعته، وأن أقصر الوطر، على ترجمة أعيان القرن الثالث عشر، لأن الأمين المحبي رحمه الله ترجم أهل القرن الحادي، كما أن القرن الثاني قد ترجمه المرادي، فأردت أن أتطفل عليهما بديوان يكون لكتابيهما ذيلاً، وإن كنت أعلم أني لست لذلك أهيلاً، ولكن من أغرب الغريب، وأعجب العجيب، هو أني رأيت أن بعض الناس قد ضنوا بتراجمهم أن تصاغ في قالب التحوير، كأنما يطلب منهم
الصفحة 4
1692