كتاب رياض الصالحين ت الفحل
ولقد أَحْسَنَ القَائِلُ (¬1):
إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطَنَا ... طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا ... أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَذُوا ... صَالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا
فإذا كَانَ حالُها ما وصَفْتُهُ، وحالُنَا وَمَا خُلِقْنَا لَهُ مَا قَدَّمْتُهُ؛ فَحَقٌّ عَلَى الْمُكلَّفِ أَنْ يَذْهَبَ بنفسِهِ مَذْهَبَ الأَخْيارِ، وَيَسلُكَ مَسْلَكَ أُولي النُّهَى وَالأَبْصَارِ، وَيَتَأهَّبَ لِمَا أشَرْتُ إليهِ، وَيَهْتَمَّ لِمَا نَبَّهتُ عليهِ. وأَصْوَبُ طريقٍ لهُ في ذَلِكَ، وَأَرشَدُ مَا يَسْلُكُهُ مِنَ المسَالِكِ، التَّأَدُّبُ بمَا صَحَّ عَنْ نَبِيِّنَا سَيِّدِ الأَوَّلينَ والآخرينَ، وَأَكْرَمِ السَّابقينَ والَّلاحِقينَ، صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ وَعَلى سَائِرِ النَّبيِّينَ. وقدْ قالَ اللهُ تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] وقد صَحَّ عَنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: «واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ» (¬2)، وَأَنَّهُ قالَ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ» (¬3) وأَنَّهُ قالَ: «مَنْ دَعَا إِلى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئًا» (¬4) وأَنَّهُ قالَ لِعَليٍّ - رضي الله عنه: «فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ (¬5) النَّعَمِ» (¬6) فَرَأَيتُ أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَرًا منَ الأحاديثِ الصَّحيحَةِ، مشْتَمِلًا عَلَى مَا يكُونُ طَرِيقًا لِصَاحبهِ إِلى الآخِرَةِ، ومُحَصِّلًا لآدَابِهِ البَاطِنَةِ وَالظَاهِرَةِ. جَامِعًا للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين: من أحاديث الزهد ورياضات النُّفُوسِ، وتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ، وطَهَارَاتِ القُلوبِ وَعِلاجِهَا، وصِيانَةِ الجَوَارحِ وَإِزَالَةِ
¬__________
(¬1) القائل هو الإمام الشافعي، والأبيات على بحر الرمل. وقد ضمّنها الأمير الصنعاني وهو من شعراء العصر العثماني في قصيدة له وقبلها قوله:
فاستمع ما قاله من قبلنا ... يصف الصوفي وصفًا بينا
(¬2) أخرجه: مسلم 8/ 71 (2699) (38) من حديث أبي هريرة.
(¬3) أخرجه: مسلم 6/ 41 (1893) من حديث عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري.
(¬4) أخرجه: مسلم 8/ 62 (2674) من حديث أبي هريرة.
(¬5) قال النووي في " شرح صحيح مسلم " 8/ 158 (2406): «هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب».
(¬6) أخرجه: البخاري 4/ 57 (2942)، ومسلم 7/ 121 (2406) (34) من حديث سهل بن سعد.
الصفحة 6
552