كتاب الفتح المبين بشرح الأربعين

ثانيهما [حفظ الأربعين مختصٌّ بالحديث الشريف]
لا شاهد في الحديث؛ لقول إِلْكِيَا من أصحابنا (¬1): (من حفظ أربعين مسألة. . فهو فقيه) (¬2) لأن الوعد السابق يحصل بحفظ أربعين حديثًا ولو في مسألةٍ واحدةٍ، ومع ذلك يحشر في زمرة الفقهاء؛ لما مر: أن الحشر في زمرتهم لا يستدعي إلا أن يكون بينه وبينهم نوع نسبةٍ دون حقيقة المساواة، ونظَّر فيه الرافعي أيضًا (¬3): بأن حفظ الشيء غير حفظه على الغير.
قيل: وجه إيثار هذا العدد بذلك: ما أشار إليه بشر الحافي رحمه اللَّه تعالى بقوله: (يا أهل الحديث؛ اعملوا من كل أربعين حديثًا بحديث) (¬4)؛ كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: "أدُّوا ربع عشر أموالكم؛ من كل أربعين درهمًا درهم" (¬5) أي: بشرط بلوغ دراهمه مئتي درهم؛ إذ لا وجوب في أقلَّ منها، فهي -أعني: الأربعين- أقل عددٍ له ربع عشرٍ صحيح، فكما دلَّ حديث الزكاة على تطهير ربع العشر للباقي. . كذلك العمل بربع عشر الأربعين يخرج باقيها عن أن يكون غير معمولٍ بها، فخُصَّت بالذِّكر إشارةً لذلك.
¬__________
(¬1) هو شمس الإسلام علي بن محمد بن علي، أبو الحسن إِلْكِيا الهَرَّاسي، من أجلِّ تلامذة إمام الحرمين، توفي سنة (504 هـ). انظر "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (7/ 231)، و"سير أعلام النبلاء" (19/ 350).
وفي "حاشية المدابغي": (إلكيا: بكسر الهمزة، وسكون اللام، وكسر الكاف، وتخفيف المثناة التحتية، معناه: الكبير بلغة الفرس).
(¬2) نقل الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى في "روضة الطالبين" (6/ 169) هذا القول عن "التتمة" وقال: (وهو ضعيف جدًا).
(¬3) أي: كما نظر فيه غيره، المعلوم ذلك من قول الشارح: (لا شاهد في الحديث. . . إلخ) فإنه تنظير في المعنى، فصح له أن يقول: (ونظر فيه الرافعي أيضًا) فتأمله. اهـ هامش (غ)
(¬4) أخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (184) بلفظ: (اعملوا من كل مئتي حديثٍ بخمسة أحاديث) والمؤدَّى واحدٌ؛ إذ لو قسمنا المئتين على خمسة. . لكان الناتج أربعين، لكلٍّ حديث، واللَّه أعلم.
(¬5) أخرجه أبو داوود بنحوه (1572)، والترمذي (620)، والنسائي (5/ 37)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 137) عن سيدنا علي رضي اللَّه عنه.

الصفحة 104