كتاب الفتح المبين بشرح الأربعين

وهي لغة: القصد؛ أي: عزم القلب، وشرعًا: قصده المقترن بالفعل؛ أي: إلا في الصوم ونحو الزكاة؛ للعسر، فهو محلها، لكن يسنُّ مساعدة اللسان له.
وقيل: محلها الدماغ، ورُدَّ بأن هذا لا مجال للرأي فيه، بل يتوقَّف على السمع، والأدلة السمعية دالة على الأول؛ منها خبر: "التقوى ههنا" وأشار بيده إلى صدره ثلاثًا (¬1)، وأيضًا: فالإخلاص اللازم لها محلُّه القلب اتفاقًا.
ومتعلَّقُ هذا الظرفِ الصحةُ؛ إذ هي أكثر لزومًا للحقيقة، فالحمل عليها أَولى؛ لأن ما كان ألزم للشيء. . كان أقرب خطورًا بالبال عند إطلاق اللفظ، لا الكمالُ، فلا يصح عملٌ -كالوضوء، خلافًا لأبي حنيفة رضي اللَّه تعالى عنه، ولا نسلم أن الماء مطهرٌ بطبعه، وكالتيمم، خلافًا للأوزاعي- إلا بنيةٍ، ما لم يقم دليلٌ على التخصيص.
وممَّا يعيِّن تقدير الصحة وأن الحصر فيها عامٌّ إلا لدليلٍ. . خبرُ البيهقي: "لا عمل لمن لا نية له" (¬2)، وخبرُ غيره: اليس للمرء من عمله إلا ما نواه، لا عمل إلا بنية) (¬3)، والخبر الصحيح: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلا أُجِرْتَ عليها" (¬4)، وخبر ابن ماجه: "إنما يبعث الناس على نياتهم" ورواه مسلم بمعناه (¬5).
وشُرِعت تمييزًا للعبادة من العادة؛ كالغسل يكون تنظيفا وعبادة، أو لرتب العبادة بعضها عن بعض؛ كالتيمم يكون للجنابة والحدث وصورتهما واحدة، وكالصلاة تكون فرضًا ونفلًا.
¬__________
(¬1) قطعة من حديث سيأتي تخريجه (ص 550) وهو الحديث الخامس والثلاثون من أحاديث المتن.
(¬2) سنن البيهقي الكبرى (1/ 41) عن سيدنا أنس رضي اللَّه عنه.
(¬3) انظر "تلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى (1/ 150)، فقد قال: (هذا الحديث بهذا اللفظ لم أجده. . .).
(¬4) أخرجه البخاري (56)، ومسلم (1628) عن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه.
(¬5) انظر "صحيح مسلم" (2884) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي اللَّه عنها، و"سنن ابن ماجه" (4229) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.

الصفحة 124