كتاب الفتح المبين بشرح الأربعين

لكن رواية: "حتى يقولوا. . . إلخ" (¬1) ظاهرةٌ في عدم اشتراط لفظ: (أشهد) وأن المراد به في أحاديثه: (يقول) ولم يعكس (¬2)؛ لأن حمل (أشهد) على (يقول) عليه قرينةٌ خارجيةٌ هي: أن هذه الكلمة تُسمى كلمة الشهادة وإن أسقط منها (أشهد)، وحمل (يقول) على (أشهد) لا قرينة عليه خارجيةٌ.
وأيضًا فالاحتياطُ في المشهود به المبني على المشاحَّة غالبًا ثَمَّ. . اقتضى تضييقَ طرقه (¬3)، والاقتصارَ فيه على الوارد، والاحتياط للدخول في الإسلام والعصمة المتشوف إليهما الشارع. . اقتضى توسعةَ طرقه، فعملنا بالاحتياط المذكور في البابينِ (¬4)، وكلام "الروضة" في الإيمان يقتضي عدم الاشتراط (¬5).
ويؤيده اكتفاؤهم في حق مَنْ لم يَدِنْ بشيءٍ بـ (آمنت) وكذا (أُومن -إن لم يرد به الوعد- باللَّه)، أو (أسلمت للَّه)، أو (اللَّه خالقي)، أو (ربي)، ثم يأتي بالشهادة الأخرى، فإذا اكتفوا بنحو: (اللَّه خالقي) مع أنه لا شيء فيه من الوارد نظرًا للمعنى دون اللفظ. . فأولى الاكتفاء بـ (لا إله إلا اللَّه) كما هو واضحٌ؛ لأنه وُجد فيه لفظُ الوارد نظرًا لرواية: "يقولوا" ومعناه.
فعلم أنهم لم يتعبدوا هنا بلفظ الوارد، فيكفي بدل (إله): (بارئ) أو (رحمن) أو (رازق)، وبدل (اللَّه): (محيي) أو (مميت) إن لم يكن طبائعيًا (¬6)، أو أحدُ تلك الثلاثة (¬7) أو (من في السماء) دون (ساكن السماء) أو (من آمن به المسلمون).
¬_________
(¬1) أخرجها البخاري (392) عن سيدنا أنس رضي اللَّه عنه.
(¬2) أي: بأن يحمل لفظ (يقول) على (يشهد).
(¬3) قوله: (فالاحتياط) مبتدأ، خبره جملة (اقتضي تضييق).
(¬4) قوله: (في البابين) أي: باب أداء الشهادة على غيره، وباب الإسلام. اهـ هامش (غ)
(¬5) واعتمده الشارح رحمه اللَّه تعالى في "التحفة" (9/ 98).
(¬6) وأصحاب الطبائع: القائلون بقدم العناصر الأربعة: الماء والتراب والنار والهواء. اهـ "الأنوار لأعمال الأبرار" من النكاح (2/ 103)
(¬7) قوله: (أو أحدُ تلك الثلاثة) برفع (أحد) عطفًا على (محيي) يعني أنه يكفي أن يقول بدل (اللَّه): (محيى) أو (مميت) بالشرط المذكور، أو (بارئ) أو (رحمن) أو (رازق)، ولا تكرار في كلامه؛ لأنه فيما تقدم يقول أحدها بدل (إله)، وهنا يقول بدل (اللَّه) كما لا يخفى. اهـ "مدابغي"

الصفحة 146