كتاب الفتح المبين بشرح الأربعين

ولمَّا قرأ الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا}. . . إلخ. . أجاب اللَّه تعالى دعاءهم بقوله: (وقد فعلت) رواه مسلم (¬1).
(صلوات اللَّه وسلامه عليه) مر معناهما (¬2)، وأتى بالصلاة بعد الحمد؛ لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه بحمد اللَّه والصلاة عليَّ. . فهو أبتر ممحوقٌ من كل بركة" (¬3) وسنده ضعيفٌ، لكنه في الفضائل، وهي يعمل فيها بالضعيف.
وفي حديث: "من صلى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في كتابٍ. . صلَّت عليه الملائكة غدوةً ورواحًا ما دام اسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك الكتاب" (¬4)، وقد نازع ابن القيم في رفعه، وقال: (الأشبه: أنه من كلام جعفر بن محمد لا مرفوعًا) (¬5).
(وعلى سائر) أي: باقي، من (السؤر) بالهمز: بقية نحو الماء، ويأتي -خلافًا للحريري- بمعنى الجميع (¬6)، من سور المدينة؛ لأنه جامعٌ محيطٌ بها.
¬__________
= (كانت بنو إسرائيْل إذا أذنبوا. . أصبح مكتوبًا على بابه الذنب وكفارته، فأُعطينا خيرًا من ذلك هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}).
(¬1) أخرجه مسلم (126) عن سيدنا عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما.
(¬2) انظر ما تقدم (ص 76).
(¬3) قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى في "نتائج الأفكار" (3/ 281 - 282): (أخرجه إسماعيل بن أبي زياد الشامي نزيل بغداد من رواية يونس بن يزيد عن الزهري)، ثم قال: (وإسماعيل ضعيفٌ جدًا، وقد خُولف في وصله عن يونس، وإنما رواه يونس عن الزهري عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلًا أو معضلًا).
(¬4) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1856)، والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (ص 36)، وابن بشكوال في "القربة إلى رب العالمين" (42)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (6/ 80 - 81) بنحوه عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه. وانظر "الدر المنضود" للشارح رحمه اللَّه تعالى (ص 255 - 256).
(¬5) انظر "جلاء الأفهام" (ص 90). وقوله: (الأشبه) أي: الأقرب إلى الصحة والصواب، وقوله: (لا مرفوعًا) كذا في النسخ بنصب (مرفوعًا) وصوابه: الرقع، وغاية ما يتكلف له أن يقال: إن (لا) عاملة عمل (ليس) واسمها محذوف؛ أي: ليس هو مرفوعًا، أو إنه خبر (يكون) المحذوفة؛ أي: لأنه يكون مرفوعًا. اهـ "مدابغي"
(¬6) انظر "درة الغواص في أوهام الخواص" (ص 9 - 10)، وكذلك فعل ابن الأثير في "النهاية" (2/ 327) فقد قال: (والناس يستعملونه كثيرًا في معنى الجميع، وليس بصحيح)، وكذا صاحب "القاموس" في مادة =

الصفحة 98