“ مشروعية الدعاء والإلحاح في يوم عرفة “
أيها المسلمون، وهذا اليوم العظيم كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- مشغولا فيه بدعاء الله والتضرع بين يديه، وكان يقول: «خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي يوم عرفة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير (¬1) » وأخبرهم أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة (¬2) فأكثروا فيه من الدعاء، وتضرعوا بين يدي ربكم، وتوبوا إلى الله مما سلف من سيئات أقوالكم وأعمالكم، فإن الله تعالى يقبل التوبة ويعفوا عن السيئات ويغفر لمن استغفره: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬3) .
وجاء في الحديث يقول الله تعالى: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي (¬4) » فتضرعوا بين يدي ربكم فهذا يوم عظيم، يوم يعتق الله فيه عبيده من النار، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ (¬5) » وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة (¬6) » «وأنه ينزل -جل جلاله- إلى سمائه الدنيا عشية عرفة نزولا يليق بجلاله، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ويقول: " انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم (¬7) »
قفوا بهذا الموقف إلى أن تغرب الشمس اقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم،
¬__________
(¬1) أخرجه الترمذي في سننه، ومالك في الموطأ، والبيهقي في السنن الكبرى، وسبق تخريجه في خطبة عام (1402 هـ) ، الهامش (18)
(¬2) انظر: التخريج السابق
(¬3) سورة الزمر الآية 53
(¬4) أخرجه الترمذي في سننه 5\548، كتاب: الدعوات، باب: في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، ح (3540) ، وأحمد في مسنده 5\154، والدارمي في سننه 2\414، كتاب: الرقاق، باب: إذا تقرب العبد إلى الله، ح (2788) ، واللفظ للترمذي
(¬5) أخرجه مسلم في صحيحه، وسبق تخريجه في خطبة عام (1404 هـ) ، الهامش (11)
(¬6) أخرجه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق في مصنفه، وسبق تخريجه في خطبة عام (1402 هـ) ، الهامش (16)
(¬7) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، وسبق تخريجه في خطبة عام (1406 هـ) ، الهامش (14)