كتاب التخريج عند الفقهاء والأصوليين

الموافقات (١) إذ جعل درجة الاجتهاد تتحقق بوصفين أحدهما فهم مقاصد الشريعة، وثانيهما التمكن من الاستنباط؛ بناءً على فهمه فيها. ولم يشترط جمهور الأصوليين ذلك، إذ اقتصروا على تفصيل الوصف الثاني الذي ذكره. وذكر الشوكاني أن الغزالي بين منهج الشافعي في الاستنباط، وكان مما جاء فيه، أنه ينبغي على المجتهد أن يلاحظ القواعد الكلية أولاً، ويقدمها على الجزئيات، كما في القتل بالمثقل، فتقدم قاعدة الردع على مراعاة الاسم (٢). وهو في معنى ما ذكره الشاطبي في الموافقات. وإذا كان الشارع قد راعى المصالح باتفاق العلماء، فلا بد في الاعتداد بمثل هذا الشرط.
تلك هي شروط المجتهد بإجمال وتركيز، والذي يبدو من خلال ما عرضه العلماء، من شروط في المفتي، ومن يقوم بالتخريج، أن هذه الشروط لابد من أن تتحقق فيهم، ولكن بدرجة أقل. ومع ذلك فإن هناك طائفة من الشروط المختصة بهم، نذكر منها ما يأتي:
١ - أن يكون عالماً بالفقه، أي الفروع الثابتة في المذهب؛ لأنها من مصادره الأساسية في الاجتهاد، بخلاف المجتهد المطلق الذي لا يشترط له ذلك.
٢ - أن يكون تام الارتياض في التخريج والاستنباط، بأن يكون قادراً على إلحاق ما ليس منصوصاً عليه لإمامه، بأصوله.
٣ - أن يكون ملتزماً بأصول إمامه وقواعده، ولا يتجاوزها، عند التخريج والاستنباط (٣).
٤ - أن يكون بالإضافة إلى ذلك، متمكناً من الفرق والجمع، والنظر والمناظرة، فيما تقدم (٤). ونظراً إلى أن الصفات العامة للمجتهد موجودة
---------------
(١) ٤/ ١٠٥، ١٠٦.
(٢) إرشاد الفحول ص ٢٥٨.
(٣) أدب المفتي والمستفتي ص ٩٥، والمجموع ١/ ٤٣، وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص ١٨، والرد على من أخلد إلى الأرض ص ١١٤، ١١٥.
(٤) الإحكام للآمدي ٤/ ٢٣٦.

الصفحة 335