كتاب التخريج عند الفقهاء والأصوليين

هو من جهة الناقل، بخلاف القولين، فإن الاختلاف فيهما من جهة المنقول عنه. وهو الإمام، ووجه كلامه بذكر طائفة من الأسباب التي يأتي من قبلها الاختلاف في الرواية (١). وقد ذكر الزركشي، من الشافعية، مثل هذا أيضاً، قال: (وأما اختلاف الرواية عن أحمد وأبي حنيفة- رحمهما الله تعالى- فليس هو من باب القولين لأن القولين نقطع أن الشافعي ذكرهما بالنص عليهما، بخلاف الروايتين، فإن الاختلاف جاء من جهة الناقل، لا من المنقول عنه) (٢).
وإذا كان الأمر بهذه الكيفية فهذا يعني أن لا ينسب إلى الإمام إلا رواية واحدة، هي الرواية الأخيرة، إن علم التاريخ، أما إذا لم يعلم التاريخ، فلا بد من الاجتهاد. وقد قال ابن تيمية بشأن ما روي عن الإمام أحمد بهذا الخصوص: (اجتهدنا في الأشبه بأصوله والأقوى في الحجة فجعلناه مذهباً
---------------
(١) = من مؤلفاته: التقرير والتحبير في شرح التحرير في أصول الفقه، وحلية المجلي في الفقه، وذخيرة القصر في تفسير سورة العصر.
راجع في ترجمته: شذرات الذهب ٧/ ٣٢٨، والأعلام ٧/ ٤٩، والفتح المبين ٣/ ٤٦، ومعجم المؤلفين ١١/ ٢٧٤.
() التقرير والتحبير ٣/ ٣٣٤ ومما ذكره من الأسباب في الاختلاف في الرواية.
أ- الغلط في السماع، كأن يجيب بحرف النفي إذا سئل عن حادثة ويقول: لا يجوز فيشتبه على الراوي فينقل ما سمع.
ب- أن يكون له قول قد رجع عنه، ويعلم بعض من يختلف إليه رجوعه، فيروي الثاني، والآخر لم يعلمه، فيروي الأول.
ج- أن يكون قال الثاني على وجه القياس، ثم قال ذلك على وجه الاستحسان فيسمع كل واحد أحد القولين فينقل ما سمع.
د- أن يكون الجواب في المسألة من وجهين من جهة الحكم ومن جهة البراءة والاحتياط فينقل كما سمع.
(٢) البحر المحيط ٦/ ١٢٨، وفيه نسبة هذه الأسباب إلى أبي بكر البلعمي في الغرر. وانظر ذلك أيضاً في: مسلم الثبوت بشرحه فواتح الرحموت ٢/ ٣٩٤، ورسالة شرح عقود رسم المفتي ١/ ٢١ و٢٢ و ٢٣ من مجموعة رسائل ابن عابدين.

الصفحة 346