كتاب التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول

فأنا أوافق أئمتي في سكوتهم كموافقتي لهم في كلامهم.
أقول إذا قالوا؛ واسكت إذا سكتوا؛ وأسير إذا ساروا؛ وأقف إذا وقفوا، وأحتذي طريقتهم في أحوالهم جهدي، ولا أنفرد عنهم خيفة الضيعة إن سرت وحدي. إلى أن قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أطلق التكفير في مواضع لا تخليد فيها؛ وذكر حديث: "سبابُ المؤمن فسوق، وقتاله كفر"، وغيره من الأحاديث، وقال، قال أبو نصر السجزي: اختلف القائلون بتكفير القائل بخلق القرآن، فقال بعضهم: كفرٌ ينقل عن الملة، وقال بعضهم: كفرٌ لا ينقل عن الملة.
ثم إن الإمام أحمد الذي هو أشدُّ الناس على أهل البدع، قد كان يقول للمعتصم: يا أمير المؤمنين! ويرى طاعة الخلفاء الداعين إلى القول بخلق القرآن وصلاة الجمع والأعياد خلفهم، وأما قولك: انظر كيف تتلافى هذه الهفوة، وتزيل تكدير هذه الصفوة؛ فإن قنع مني بالسكوت، فهو مذهبي وسبيلي، وعليه تعويلي، وقد ذكرتُ عليه دليلي، وإن لم يرض مني إلا أن أقول ما لا أعلم، وأسلك السبيل الذي غيره أسد وأسلم واخلع عذاري في سلوك، ما فيه عثاري، ويسخط عليَّ الباري، ففي هذا التلافي إتلافي، وتكدير صافي أوصافي، ولا يرضاه لي الأخ المُصافي، ولا من يريد إنصافي، ولا من سعى في إسعافي، وما أتبعه ولو أنه بشرٌ الحافي. إلى أن قال:
واعلم أيها الأخ الناصح أنك قادم على الله، ومسؤول عن مقالتك هذه، فانظر من السائل، وانظر ما أنت له قائل، فاعد للمسألة جوابًا؛ وادرع للاعتذار جلبابًا؛ ولا تظن أنه يقنع منك في الجواب تقليد بعض الأصحاب، ولا يكتفي منك بالحوالة على الشيخ أبي الفرج، وابن الزاغوني، وأبي الخطاب، ولا يخلصك الاعتذار بأن الأصحاب اتفقوا على أنهم من جملة الكفار، ولازم هذا الخلود في النار؛ فإن هذا كلام مدخول، وجواب غير مقبول. إلى أن قال: فأنتم إن كنتم أظهركم الله على غيبه، وبرأكم من الجهل وعيبه، وأطلعكم على ماهو صانع بخلقه، فنحن قوم ضعفاء، فقد قنعنا بقول نبينا - عليه الصلاة والسلام -، وسلوك سبيله، ولم نتجاسر على أن نتقدم بين يدي الله ورسوله، فلا

الصفحة 116