كتاب رحلة الصديق إلى البلد العتيق

يوماً خلافَ الميعاد؛ لأن مسيرتها تكون اثني عشر يوماً غالباً في المعتاد، ولكن الجمالين لم يكونوا معنا مجاملين، فتركوا القافلة "بعسفان"، واضمروا الشر والعدوان، فكفى الله المؤمنين الغرباء شرهم والبأساء، وأوصل الجميع مع سلامة المال والروح إلى طابة، وجعل دعوتهم مستجابة.
واتفقت الإقامة بهذه البلدة المباركة إلى أسبوع، وتيسر لي حضور المسجد النبوي، والسلام على المرقد المنور المصطفى وأصحابه، وزيارة بقيعه، وشهداء أحد، سيما سيد الشهداء حمزة -رضي الله تعالى عنه-، وغير ذلك من المساجد والآبار، خصوصاً مسجد قباء، على الوجه المأثور المسنون بلدة طيبة ملئت بأنواع البركات، وآثار من الرحمة وأنوار من التجليات، كيف والأنوار الإلهية والبركات النبوية تترشح من جدرانها، والسكينة والوقار تتنزل كل حين على بنيانها.
واشتريت بالمدينة: كتاب "المدخل" لابن الحاج، وهو كتاب يحتوي على رد بدع المتفقهين ومحدثات المتصوفين.
وأحرمت بالعمرة حين الرجوع منها، ووصلت "مكة" يوم الثاني عشر من بدء السفر نصف الليل كما وصلت إليها من حدة، ووجدت المطاف والمسعى خالياً عن الناس، فأتيت بأعمالها على ترتيبها، وحصلت لي -بحمد الله تعالى- حجة وعمرتان.
وكانت مدة إقامتي بمكة وجواره تعالى أولاً وآخراً نحواً من أربعة أشهر، وعندي أن حاصل عمري كان تلك الأيام، والذي مضى في غيرها لم يكن إلا منام أو أحلام، وأرجو من الله تعالى عودَ هذه الأزمان، وقضاء بقية الحياة في جوار الرحمن.
وقد كنت أقمت بمكة بمحلة أهل الهند، وأغدو وأروح إلى الحرم المحترم من "باب الزيادة"، وأذكر قول الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وأرجو منه سبحانه أن يجعلني من أهل تلك السعادة، وكثيراً ما أمر على "باب السلام" مبتغياً كتب العلم، وأقول في نفسي: ادخلوها بسلام.

الصفحة 167