كتاب جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين - فهد الرومي

يقول العلامة ابن الجزري1:
" ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، فقلت له: رب إذاً يثلغوا2 رأسي حتى يدعوه خبزةً، فقال: مبتليك ومبتلى بك، ومنزل عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرؤه نائماً ويقظان، فابعث جنداً أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق ينفق عليك"3، فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء بل يقرؤه في كل حال، كما جاء في صفة أمته" أناجيلهم في صدورهم4".
وقد ساعدهم على حفظه نزوله منجماً ومفرقاً، ولم يكن هم الصحابة حفظ ألفاظ القرآن فحسب، بل جمعوا إلى حفظ اللفظ فهم المعنى، وتدبر المراد، والعمل بمقتضى ما تضمنه من الأحكام والآداب.
قال أبو عبد الرحمن السلمي5: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن.. أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً6.
__________
1 محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين أبو الخير، المعروف بابن الجزري، الدمشقي، علم من أعلام القراء، ولد ونشأ في دمشق سنة:751هـ، من أشهر مؤلفاته: النشر في القراءات العشر، غاية النهاية في طبقات القراء، منظومة الطبية في القراءات العشر، والدرة المضيئة في القراءات الثلاث، المقدمة الجزرية في التجويد، توفي في شيراز من مدن إيران الحالية عام 833هـ، غاية النهاية: 2/247، الأعلام: 7/45.
2 أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
3 مسلك: صفة الجنة ونعيمها، رقم: 2865، مسند أحمد برقم: 17414 (13/387) ، وانظره في الوجيز للقرطبي ص:175.
4 النشر: 1/6.
5 هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي الكوفي، التابعي الجليل، شيخ الحسنين (رضي الله عنهما) ،ثقة ثبت، إليه انتهت القراءة تجويداً وضبطاً، توفي بعد (70هـ) ، غاية النهاية:1/141، معرفة القراء: 1/52، التقريب: 1/408.
6 أخرجه أحمد في مسنده (5/410) ،وانظره في مجمع الزوائد للهيثمي (1/165) ، والوجيز للقرطبي ص:137.

الصفحة 8