كتاب المدارس النحوية

لا يجدي شيئا ولا ينبغي أن يُتشاغَل به"1. ويعقب على وجوه الخلاف السبعة في رافع المضارع بقوله: "لا فائدة لهذا الخلاف؛ لأنه لا ينشأ عنه حكم تطبيقي" كما يعقب على اختلاف البصريين والكوفيين في أيهما -الفعل أو المصدر- أصل الاشتقاق قائلا: "هذا الخلاف لا يجدي كبير منفعة"2. ومرت بنا دعوة ابن مضاء إلى إلغاء القياس مستضيئا بإلغاء المذهب الظاهري له، وقد مضى أبو حيان في إثره يقدم السماع على القياس وخاصة إذا تعارضا، على نحو ما يتضح في بعض القراءات المخالفة للقياس من مثل العطف على الضمير المتصل المجرور بدون إعادة الخافض، والفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول3. وكان يعارض الكوفيين ومن يتابعهم أحيانا مثل ابن مالك في القياس على الشاذ والنادر قائلا: إن ذلك يفضي إلى التباس الدلالات وصور التعبير4. ونقل عنه السيوطي تقيده بالسماع وعدم القياس عليه في مواضع مختلفة من الهمع5. ومع اهتمامه بالسماع كان يخالف ابن مالك في الاعتماد على الحديث في الاستشهاد؛ لأنه روي بالمعنى، ورواه أعاجم كثيرون يفشو اللحن على ألسنتهم6.
ودائما نراه يتعبَّد لسيبويه وجمهور البصريين، مما جعله يقف في صف مقابل لابن مالك وما انتهجه لنفسه من متابعة الكوفيين كثيرا في آرائهم على نحو ما مر بنا آنفا. وليس معنى ذلك أنه رفض جميع آراء الكوفيين، فقد كان يختار من حين إلى حين بعض آرائهم، من ذلك ما ذهبوا إليه، وتابعهم فيه ابن جني، من أن عامل الرفع في المبتدأ الخبر وعامل الرفع في الخبر المبتدأ فهما مترافعان7، وكذلك
__________
1 الهمع 1/ 79.
2 الهمع 1/ 186، وانظر 2/ 61.
3 انظر البحر المحيط 8/ 42، 4/ 229، وراجع 2/ 499، وكان يقول: ما قرئ به في السبعة لا يرد, ولا يوصف بضعف ولا بقلة "همع 2/ 55" وقال في قراءة الحسن البصري "وما تنزلت به الشياطون": إن ذلك تشبيه لزيادتي التكسير في الشياطين بزيادتي الجمع السالم, فنقلت من الإعراب بالحركات إلى الإعراب بالحروف على جهة التوهم, كما صنعوا في همز مصائب ومعائش. انظر الهمع 1/ 47.
4 الهمع 1/ 50.
5 انظر الهمع 1/ 47، 51، 87، 143، 2/ 8، 17، 49، 76، 79، 102، 118.
6 كان يتابع في ذلك أستاذه ابن الضائع، انظر الهمع 1/ 105.
7 الهمع 1/ 94 وما بعدها.

الصفحة 322