كتاب المدارس النحوية
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} من أن {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ} مبتدأ وخبره محذوف تقديره: لهم1. ومن ذلك رفضه ما ذهب إليه الحوفي مع الفراء من أن جملة {وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} معطوفة على ما قبلها بتقدير أن الأصل: ولأنفسهم ثم حذف المضاف، وقال ابن هشام: إن هذا تكلف والواو في الآية للاستئناف2. وقد أنكر رأيه في أن الباء لها متعلق في قوله جل شأنه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} ؛ لأنها حرف جر زائد، وحروف الزيادة لا متعلق لها3. ورد ابن هشام رأيه في قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أن جواب الشرط هو {إِنَّ ذَلِكَ} وما بعدها لأنها اسمية وهي لا تكون جوابا للشرط في النثر بدون فاء، إنما يختص ذلك بالشعر، أما الآية فجواب الشرط فيها محذوف4. وارتضى رأيه في أن خبر الذين في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} محذوف دلت عليه الجملة وتقديره: مأجورون5. وأنكر قوله: إن الباء من قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} متعلقة بناظرة لأنها جارة لما الاستفهامية والاستفهام له الصدر6، كما أنكر ما ذهب إليه في الآية: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} من أن {سَيَهْدِينِ} جملة حالية، إنما هي اعتراضية7. ورد إعرابه لقوله جل شأنه: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} أن {ظُلُمَاتٌ} مبتدأ, و {بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} خبر، قائلا: الصواب أن {ظُلُمَاتٌ} خبر لمبتدأ محذوف8. وتلك هي كل مراجعات ابن هشام في كتابه "المغني" للحوفي في كتابه إعراب القرآن، وكأنه لم يجد وراءها ما يرده أو ينكره، مما يشهد للقفطي في قوله عنه: إنه كان عالما بالنحو, قَيِّما بعلل العربية أتم قيام.
وكان يعاصره الذاكر9 النحوي المصري تلميذ ابن جني المتوفى سنة 440 للهجرة, وكان يتصدر بمصر لإقراء العربية، وله تعليقات مفيدة في النحو، وهو إشارة
__________
1 المغني ص437.
2 المغني ص443.
3 المغني ص492، والهمع 2/ 108.
4 المغني ص552.
5 المغني ص554.
6 المغني ص597.
7 المغني ص 444.
8 المغني ص638.
9 انظر فيه إنباه الرواة 2/ 8.
الصفحة 335
378