كتاب المدارس النحوية

واضحة إلى أن كتب ابن جني عُرفت على الأقل منذ عصره بمصر.
ويلقانا في عصر المستنصر الفاطمي نحوي كبير هو ابن1 بابشاذ طاهر بن أحمد المتوفى سنة 469 للهجرة، وقد رحل إلى بغداد وأخذ عن نحاتها وعلمائها، وبذلك اتصل مباشرة بنحو البغداديين، وعاد إلى موطنه فتصدّر للإقراء بجامع عمرو بن العاص مع إشرافه على تحرير الكتب الصادرة عن ديوان الإنشاء الفاطمي إلى الأطراف، وله في النحو تصانيف سارت -كما يقول القفطي- مسير الشمس، منها "المقدمة" في النحو وشرحها, وشرح الجمل للزجاجي أحد أئمة النحو البغدادي. وكانت له تعليقة كبيرة في النحو كتبها في غرفة بجامع عمرو انقطع فيها بأخرة للعبادة والنسك، ويقال: إنها كانت في نحو خمسة عشر مجلدا، وإنها ظلت تنتقل من تلميذ إلى تلميذ حتى نهاية القرن السادس، وكانوا يسمونها "تعليق الغرفة". ومن مصنفاته "شرح الأصول" لابن السراج وكتاب المحتسب بناه على عشرة أشياء: الاسم والفعل والحرف، والرفع والنصب والجر والجزم، والعامل والتابع والخط، وله عليه شروح، واختصره ابن عصفور. وتدور لابن بابشاذ في كتب النحو آراء مختلفة يتفق في طائفة منها مع الكوفيين والبغداديين والبصريين، مما يدل دلالة واضحة أنه كان يمزج بين كل تلك المذاهب، فمن ذلك أن البصريين كانوا يمنعون عمل إذن النصب في المضارع وهي مفصولة عنه بأي معمول له، وأجاز ذلك الكسائي والفراء وغيرهما من الكوفيين, وتوسط ابن بابشاذ بين الطرفين المتعارضين فجوّز الفصل بالنداء والدعاء مثل: إذن يا زيد أحسنَ إليك وإذن -يغفر الله لك- يدخلَكَ الجنة2. وكان يجيز -مع الكوفيين والأخفش- ترخيم الاسم الثلاثي المحرك الوسط مثل: حَكَم فيقال: يا حك3. وكان يرى رأي ابن درستويه البصري القائل بأن المبتدأ في مثل: "ضربي العبد مسيئًا" لا خبر له4. وذهب مع الفارسي والسيرافي إلى أن عامل المستثنى
__________
1 راجع في ترجمة ابن بابشاذ: نزهة الألباء ص361, ومعجم الأدباء 12/ 17، وإنباه الرواة 2/ 95، وابن خلكان 1/ 235، وشذرات الذهب 3/ 333, ومرآة الجنان 3/ 98، وبغية الوعاة ص272.
2 الهمع 2/ 7، والمغني ص16.
3 الهمع 1/ 182.
4 الرضي على الكافية 1/ 94.

الصفحة 336