كتاب المدارس النحوية

إذ ذهبا إلى أنها باقية على إعمالها عمل كان ولكن قلب الكلام فجعل المخبر عنه خبرا وبالعكس1, وواضح من اعتراضه على المذهبين الثاني والثالث أنه إنما يرتضي مذهب سيبويه. وكان يقف معه ضد الكسائي في أن زيدا في مثل: "هل زيدا رأيته؟ " منصوب على الاشتغال بفعل محذوف ولا يصح أن يكون مبتدأ2، وأن حيث لا تضاف إلى المفرد قياسا3، وأن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا كان بمعنى الحال والاستقبال, وقد تمسك الكسائي بإعماله وهو بمعنى الماضي في الآية الكريمة: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} وخرّج ذلك ابن هشام على حكاية الحال4. ومما خالف فيه الكسائي أيضا متشيعا لسيبويه وجمهور البصريين أن معمول اسم الفعل لا يصح أن يتقدم عليه5، وأن "إذن" الناصبة للمضارع لا بد أن تتصدر الجملة6، وأن المضارع ينصب بأن مضمرة وجوبا بعد اللام وأو وحتى والفاء والواو7. وكان يأخذ برأي سيبويه في أن "إذما" حرف شرط مثل إن الشرطية تماما خلافا للمبرد والفارسي القائلين بأنها ظرف زمان8، وكذلك أخذ برأيه في أنه لا يجوز أن يقال: "هذا لك وأباك" بنصب أباك مفعولا معه؛ لعدم تقدم فعل في الجملة أو شبهه خلافا للفارسي9. ومما كان يأخذ فيه برأي جمهور البصريين أن "زيد" في مثل: "إنْ زيد قام" فاعل لفعل محذوف لا مبتدأ خلافا للأخفش والكوفيين10، وأن الفاعل لا يصح أن يتقدم على فعله خلافا لأهل الكوفة11.
وليس معنى ذلك أنه كان متعصبا لسيبويه وجمهور البصريين، وإنما معناه أنه كان يوافقهم في الكثرة الكثيرة من آرائهم النحوية، ولكن دون أن يوصد الأبواب أمام بعض آراء الكوفيين والبغداديين حين يراها جديرة بالاتباع، ومما كان يتابع فيه الكوفيين أن الفعل ماض ومضارع فقط وأن الأمر فرع من
__________
1 المغني ص164.
2 التصريح 1/ 297.
3 التصريح 2/ 39, والمغني ص141.
4 التصريح 2/ 66.
5 التصريح 2/ 200.
6 التصريح 2/ 234.
7 التصريح 2/ 235.
8 التصريح 2/ 247, وانظر المغني ص92.
9 التصريح 1/ 343.
10 التصريح 1/ 270.
11 التصريح 1/ 271.

الصفحة 349