كتاب المدارس النحوية

الدقة والسداد. ولا تقل عنها أهمية القواعد النحوية الكلية التي ضمنها الباب الثامن من هذا الكتاب، وهي مقتبسة في جملتها من قواعد علم الأصول، كقاعدة أن الشيء قد يعطى حكم ما أشبهه في معناه أو في لفظه أو فيهما. وقد عرضها في أربع وعشرين صورة جزئية1. ولعل في ذلك كله ما يصور من بعض الوجوه نشاط ابن هشام النحوي ومدى استيعابه لآراء النحاة السالفين, ومدى فطنته في استخلاص الآراء واستنباطها والحوار فيها كأدق ما يكون الحوار, مع النفوذ إلى القوانين النحوية الكلية العامة.
__________
1 المغني ص751.
4- نحاة متأخرون:
أخذت الدراسات النحوية تنشط في مصر نشاطا واسعا منذ عصر ابن هشام، كما أخذ يتكاثر واضعو الشروح والحواشي على مصنفات ابن هشام وابن مالك، وأول من نلقاه منهم ابن1 عَقيل عبد الله بن عبد الرحمن المتوفى 769 للهجرة، وهو يعد في تلامذة أبي حيان. وكان يعنى بالقراءات والتفسير والأصول والفقه، واشتغل بالقضاء فترة، ودرس للطلاب في غير مسجد بالقاهرة، وله شرح على التسهيل لابن مالك وشرحه على الألفية ذائع مشهور، وعني به كثيرون فكتبوا عليه حواشي، ومن أشهرها حاشية الخضري، وهي مطبوعة معه مرارا. ويمتاز هذا الشرح بوضوح العبارة وسهولتها وقربها من أذهان الناشئة، وهو يصور فيه آراء النحاة وخاصة حين يخالفهم ابن مالك، ويتصدى لابنه بدر الدين حين يخالف أباه في شروحه على مصنفاته: التسهيل وغيره، مثبتا عليه السهو والخطأ2. ومر بنا أن ابن مالك كان يخالف البصريين وإمامهم سيبويه في آراء كثيرة، وقد
__________
1 انظر في ترجمة ابن عقيل: بغية الوعاة للسيوطي ص284, والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر رقم 2157, وشذرات الذهب 6/ 214.
2 انظر مثلا شرح ابن عقيل ومعه حاشية الخضري عليه "طبعة المطبعة الأزهرية سنة 1319هـ" 1/ 187 وما بعدها.

الصفحة 355