كتاب المدارس النحوية

من صَدَّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح1
وتابع الخليل في أن اسم إن وأخواتها إذا كان ضمير شأن حذف كثيرا، وسبق أن صورنا ذلك في حديثنا عن الخليل. ولاحظ أن اسم "كان وليس" المضمر يكثر حذفه وعقد لذلك بابا2 مثل: "كان الناس صنفان: صالح وطالح"، و"ليس كل وقت تلقى صاحبك" وجعل إضمار اسمهما واجبا في باب الاستثناء مثل: جاء القوم لا يكون محمدا، وليس محمدا3. ويحذف المفعول به ضرورة في مثل: "زيد رأيت", وقياسا في باب ظن حين يلغى الفعل كما مر بنا في غير هذا الموضع. ويحذف التمييز في مثل: كم صمت؟ أي: كم يوما، وكثيرا ما يحذف عائد الصلة، وحتى المؤكد قد يحذف عنده وعند أستاذه الخليل، يقول: "سألته عن: مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما" ما موضع أنفسهما؟ فقال: الرفع على تقدير: هما صاحباي أنفسهما، ويجوز النصب على تقدير: أعنيهما أنفسهما4, ويحذف البدل في مثل: ظننت ذاك، فقد جعل ذاك مفعولا مطلقا على تقدير: ظننت ذاك الظن5. ويحذف المضاف ويحل المضاف إليه محله في مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهل القرية. ويخيل لمن يتابع سيبويه أن ليس في اللغة معمول لا يحذف، وحتى الجملة تحذف، ويطرد ذلك إذا اجتمع الجزاء والقَسَم في مثل: لئن فعلت ذلك لأكافئنك, فقد حذف جواب إن لدلالة جواب القسم عليه6. وكان يقدر جواب الشرط محذوفا في مثل: إن قام زيد أقوم, ويقول: إن الفعل المضارع مؤخر في هذا المثال من تقديم, وإن الأصل: أقوم إن قام زيد، وحذف الجواب لدلالة أقوم عليه7.
وأكثر سيبويه من تحليله للعبارات حتى تتّجه مع ما يراه لألفاظها من إعراب، من ذلك أن نراه يعرب المصدر حالا إذا اتجه ذلك في مثل: "ذهب به مشيا" أي: ماشيا، واشترط لذلك أن لا تدخله الألف واللام إلا ما جاء سماعا مثل: أرسلها
__________
1 الكتاب 1/ 354.
2 الكتاب 1/ 35.
3 الكتاب 1/ 376.
4 الكتاب 1/ 247.
5 الكتاب 1/ 18.
6 الكتاب 1/ 444.
7 الكتاب 1/ 436.

الصفحة 75