كتاب النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

الأشياء في سبيل الله دعى من أبواب -يعني الجنة- يا عبد الله هذا خير.
فمن كان من أهل الصلاة دُعى من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد. ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام باب الريان». فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة. وقال: هل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر»).
لا شك أن المراد بـ «سبيل الله» في قوله الرسول - صلى الله عليه وسلم - «من أنفق زوجين في سبيل الله» هو الجهاد؛ ولذلك أخرجه البخاري مختصرًا تحت ترجمة باب فضل النفقة في سبيل الله من كتاب الجهاد [4: 32، 5].
فالمراد بـ «زوجين»: إما مثلان من أي صنف ينفع الناس في الجهاد، نحو فرسين أو بعيرين أو سيفين أو درعين، فالزوجان تثنية زوج، وهو العدد المثني لعدد آخر، فكل من العددين هو زوج؛ لأن به صار الفرد زوجًا.
وإما ذكر وأنثى من أصناف الحيوان النافعة في الجهاد للركوب؛ وهي: الخيل والبغال والحمير والإبل، وللزاد؛ مثل: الغنم والبقر، فقد جاء في حديث رافع ابن خديج: «إنا نرجو أن نلقى العدو غدًا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب»، فالزوج حينئذ هو الحيوان الذي يزدوج مع الآخر وهما الذكر والأنثى، كقوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} الآية [الأنعام: 143].
فأما على الأول فوجه فضل إنفاق المثلين أنه يدل على سخاء المنفق وحبه تقوية عدة المجاهدين؛ لأن إعطاء شيء واحد يكون بمنزلة اقتصار في امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى: {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الانفال: 72].
وأما على الثاني فلأن إنفاق الزوجين فيه قضاء حق الإعانة بأسباب القتال بالركوب وتناسل المراكب، وبأسباب القوت في الجهاد؛ لأن بعض الإناث من الزوجين ينتفع أيضًا بشرب لبنها.
ومن العلماء من فسر إنفاق الزوجين بتكرير الإنفاق في سبيل الله، وهو خطأ؛ لأن كلمة {زَوْجَيْنِ} [هود: 40] صريحة في أنها مفعول به وليست مفعولاً مطلقًا، بخلاف نحو قوله تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ}. [الملك: 4].

الصفحة 120