كتاب النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

الحبس بمعنى عدم الإذن بالانصراف، ومنه قوله في الحديث: (إن أم ... حبست رسول الله على خزيرة صنعتها له).
وقوله: «يُهِمُّوا» وقع للشارحين في ضبطه اضطراب، والصواب عندي أنه -بضم التحتية وفتح الهاء - من أَهمَّه، إذا أصابه بِهَمٍّ، أي كرب وحزن، أي حتى يطول انتظارهم فيدخلهم الضجر والهمُّ.
ويجوز فيه - فتح التحتية وكسر الهاء - على أنه من الهمِّ، أي العزم، أي حتى يترددوا فيما ذا يصنعون ثم يعزمون على أن يستشفعوا.

باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ}
وقع فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[177: 9، 9]:
(«خلق الله الخلق فلمَّا فرغ منه قامت الرَّحم فقال: مه»).
وقد فسر الشارحون «مَهْ» أنه اسم فعل بمعنى كُفَّ، وهو تفسير غير مستقيم إذا لا يلاقي الغرض.
والصواب أن «مَهْ» هي (ما) الاستفهامية حذفت ألفها وعوض عنها الهاء في الوقف، كما تعوض في حالة دخول جارٍّ عليها، وحذف المستفهم عنه لظهوره، أي ما شأنك؟
وقريب منه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف وقدْ رَأَى عليه وضرًا من صفرة، أي خَلوق: «مهيم» قال: تزوجت. فقوله: «مهيم» هي (ما) الاستفهامية.
ووقع فيه قوله [178: 9، 6]:
(«فقال ربُّه: أعلم عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنب ويأخذ به غفرت لعبدي» وقال في الثالثة: «فليعمل ما شاء»).
فتعين أن يكون هذا العبد المخبر عنه من الذين لم تجئهم الرسل، وقد اهتدى إلى معرفة الله بأدلة النظر فكان منفردًا بالإيمان من بين أمته، كما يقتضيه قول الله تعالى: «علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب» فإنه لو كان ذلك أمرًا معروفًا لم يكن لقوله:

الصفحة 282