كتاب النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

(قالوا: سمعنا وأطعنا) لمن يرجع ضمير (قالوا: سمعنا وأطعنا)، اتفق الشارحون على إرجاع الضمير للمهاجرين والأنصار.
وفسروا قولهم: «وأطعنا» بما يقتضي أن مفعوله المحذوف تقديره: وأطعنا النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وجرى كلام الشارحين على أن معنى الطاعة طاعة الجميع للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أي أطاع الأنصار النهي عن قسمة النخل والإشراك في الثمرة، وأطاع المهاجرون التعهد بكفايتهم المؤونة والإشراك في الثمرة أيضاً.
وعلى هذا المهيع يتعين تقدير كلام محذوف في كلام الراوي، وهو أنهم لما قالوا ذلك رضي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمعنى «أطعنا» أطعنا ما رضي به النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والذي يبدو لي: أن كلمة «سمعنا وأطعنا» تقال عند التعاقد بين المتعاقدين، والمعنى: سمع كل ما قاله الآخر، والطاعة بمعنى الرضا، وليس مدلول مادة الطاعة بمشروط فيه أن يكون المطاع صاحب أمر على المطيع وإن كان ذلك غالباً.
ويجوز أن يحمل قوله: «قال: تكفونا المؤونة» أنه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن ضمير المتكلم ومعه غيره في قوله: «تكفونا» أراد به نفسه والأنصار، فهو ناظر إلى قوله في الحديث: «لولا الهجرة لكنت أمراً من الأنصار» [5: 38، 18]، وعليه يبقى استعمال الطاعة على المشهور فيه.
* * *

الصفحة 64