كتاب النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

تكون صلحاً وقد دخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والجيش، ولاذت قريش بالفرار ودخلوا دار أبي سفيان، والمسجد الحرام طلباً للأمان، وقد روى أبو عبيد القاسم بن سلام عن عائشة قالت: (قلت يا رسول الله، ألا نبني لك بيتاً أو بناءً يظللك من الشمس تعني بمكة، فقال: «لا، إنما هي مناخ من سبق»).
وروي عن مجاهد: أراه رفعه: «مكة مناخ لا تُباع باعها ولا تؤخذ إجارتها ولا تحل ضالتها إلا لمنشد»، وقد كان عمر بن الخطاب ينهى أن تغلق دور مكة دون الحاج، وأنهم يضطربون فيما وجدوا منها فارغاً، وعن ابن عباس «الحرم كله مسجد»، وعن عطاء: «الحرم كله مقام إبراهيم».
ومعنى ذلك كله أن أرض الحرم لها حكم المساجد، ويعضده قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنه أوحي إلي في الرؤيا أن بطن الوادي بطحاء مباركة، وأن صلِّ في العقيق فإنه وادٍ مبارك» فأراد أن مواضع المناسك لها حكم المساجد، فليست هي من الموات، فلا يجوز فيها إقطاع ولا إحياء ولا احتجار ولا منع، ولكن يجوز الانتفاع فيها بما لا يعطل مقاصد المسلمين من التبرك بالمواضع المباركة منها.
وذلك أخص من أرض العنوة وأرض الصلح كلتيهما، فلعل البخاري يقصد تفسير قول من يقول: إن مكة فُتحت عنوة، أنها لا ملك فيها لأحد، بخلاف أرض الصلح، وأنها لا يجوز إقطاعها، ولا إحياء مواتها إحياء تملُّك؛ لأنها كالمساجد.
وفيه الرد على ما نسبه أبو يوسف في «كتاب الخراج» إلى الخوارج أنهم جعلوا القرى العربية بمنزلة القرى العجمية، والله أعلم.
* * *

باب ما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
يواسي بعضهم بعضاً ..... إلخ
فيه حديث [3: 141، 5]:
«رافع بن خديج عن عمه ظهير بن رافع قال: لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان بنا رافقاً، قلت: ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حق، قال: دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الصفحة 66