كتاب النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

كتاب الشهادات
باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود
[3: 232، 20]: (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «شاهداك أو يمينه». وقال قتيبة: حدثنا سفيان عن ابن شبرمة قال: كلمني أبو الزناد في شهادة الشاهد ويمين المدعي، فقلت: قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282]، قلت: إذا كان يكتفى بشهادة شاهدٍ ويمين المدعي فما تحتاج أن تذكر إحداهما الأخرى، ما كان يصنع بذكر هذه الأخرى؟ ).
ظاهر الترجمة: أن البخاري رحمه الله لا يرى القضاء بالشاهد ويمين المدعي في الأموال؛ ولذلك ترجم بما يقتضي حصر اليمين في كونها على المدعى عليه في الأموال والحدود.
واحتج الحديث: «شاهداك أو يمينه» المقتضي منع خلو القضاء للطالب عن أحد أمرين: إما أن يأتي بشاهدين، أو يحلف المدعي عليه ولم يقل له: أو شاهد مع يمينك، واستأنس لذلك بما احتج به عبد الله بن شبرمة على أبي الزناد، وهو دليل ضعيف؛ لأن طرق الحق غير منحصرة فيما جاء به القرآن، فإن السنة قد أثبتت أشياء كثيرة لم ترد في القرآن.
والقول الفصل في هذا: أن القرآن أخبر بطريق كمال التوثق للحقوق في المعاملات المالية، وذلك بإعداد الشهادة على التداين حتى لا تكثر الخصومات، وسكت عما عدا ذلك؛ لأنه لا يحب تقصير الناس في ذلك بالتفريط، فإن وقع التفريط فقد بينت السنة أن للحق طريقاً آخر يصار إليه عند الاضطرار من يمين المدعى عليه، أو يمين المدعي مع شاهده، فليس في القرآن شرع يمين المدعى عليه، وقد ثبت بالسنة إذا لم يجد المدعي بينة، فالقرآن بين لنا سبيل التوثق، والسنة أثبتت حكم عدم ذلك، فإنه لما عجز المدعي عن البينة نهض إنكار المدعى عليه، فكمل نهوضه بيمينه.
وهنالك حالة مركبة منهما، وهي أن يوجد جزء بينة، أي شاهد واحد ذكر

الصفحة 76