كتاب التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات (اسم الجزء: 2)

وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه متى صلى في غير الجدار ركزت له الحربة [أو العنزة] (¬1) فيصلي إليها. وكان يصلي إلى بعيره (¬2). ونهى عن المرور بين يدي المصلي، وقال: "لَوْ يَعلَمُ المار بَينَ يَدَي المُصَلِّي مَاذَا عَلَيهِ لَكَانَ أن يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْراً لَه" (¬3). وشك الراوي هلَ أراد أربعين سنة، أو أربعين يوماً، أو أربعين شهراً. فأمر بدفع من يمر بين يدي المصلي، وقال: "فَإِنْ أَبَى فَليُقَاتِلهُ فَإنمَّا هُوَ شَيطَان" (¬4). واختلف في معنى المقاتلة هاهنا فقيل: هي على ظاهرها، والمراد أوائلها وهو الدفع بعنف ما لم يؤد إلى العمل الكثير في الصلاة. وقيل: معناه اللعنة، وهو المراد بقوله تعالى: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬5). أي يلعنهم الله.
فإذا ثبت ذلك فالنظر في السترة ينحصر في أربعة فصول: أحدها: من يؤمر بها؟ وما المقدار المجزي عنها؟ وكيف صورة الاستتار فيها؟ وحكم المصلي والمار في الإثم والدفع [عن المرور] (¬6).

(من يُؤمر بها؟)
وأما من يؤمر بها فكل مصل في موضع لا يأمن المرور بين يديه إذا كان فذاً أو إماماً، فإن أمن المرور ففي المذهب قولان: المشهور أنه لا يؤمر بالسترة إلا أن يشاء، والشاذ أمره بها.
وسبب الخلاف هل جعلت السترة حريما للمصلي حتى يقف عندها
¬__________
(¬1) ساقط من (ر).
والعَنَزَةُ- بفتحتين- أطول من العصا وأقصر من الرمح، وفيها زُجٌّ كزج الرمح. انظر مختار الصحاح 192.
(¬2) أخرج البخاري في الصلاة 430 عَنْ نَافِع قَالَ؛ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ وَقالَ: رَأَيْتُ النَبِى - صلى الله عليه وسلم - يَفعَلُهُ.
(¬3) أخرجه البخاري في الصلاة 510، ومسلم في الصلاة 507.
(¬4) أخرجه البخاري في بدء الخلق 3275، ومسلم في الصلاة 505.
(¬5) المنافقون: 4.
(¬6) ساقط من (ر).

الصفحة 523