كتاب عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار (اسم الجزء: 1)

ويبطل أن تكون المقدمة قوله: {وإن كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}؛ لأن المرض والسفر ليسا بحدث، وإنما تقديره: وأنتم محدثون، فإن أراد: وكنتم محدثين الحدث الأصغر فالعطف عليه باللمس الذي هو دون الجماع يصح، وإن أراد وأنتم يا مرضى مسافرين محدثين بالوطء، فلا فائدة بالعطف عليه باللمس المراد به الجماع؛ لأنه يكتفي بقوله: وأنتم محدثون بالجماع، فصح أن قوله - تعالى - {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} معطوف على أحد موضعين: غما قوله: إذا قمتم من النوم، أو على قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}، وعطف على قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}، أولى؛ لأنه أقرب المذكور إليه، وهو معطوف عليه، والغائط كناية عما ينوب الناس من الحدث الأصغر، واللمس باليد لا يكون في الغائط، وإنما يفعل خارج الغائط، ولكنه في حكم الحدث الأصغر الذي يكون في الغائط.
هذا يقوي قول زيد بن اسلم في التقديم والتأخير في الآية إن جعلنا اللمس عطفاً على قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}، ونقول أيضاً: إن الآية لو احتملت ما ذكروا، واحتملت ما نقول وفرض الاصة بيقين، كان قولنا أولى؛ لأننا نوجب الضوء احتياطاً للصلاة حتى يسقط حكمه بيقين، وتعارض التأويلين بهذا الوجه، وفيه أيضاً نقل من براءة الذمة إلى إيجاب الطهارة. فإن قيل: لو ثبت لكم ما ذكرتم لكان ظاهر الآية يدل على أن الوضوء يجب على من لمس جميع النساء بقوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، فدليله إذا لمس بعض النساء لم يجب عليه شيء؛ لأنكم تقولون بدليل الخطاب. قيل: إن هذا وإن كان بلفظ الجمع في

الصفحة 521