كتاب أصول الفقه إجابة السائل شرح بغية الآمل

الثَّابِتَة بِغَيْر الْقيَاس قَالَ الْبرمَاوِيّ إِن أرجح الْمذَاهب هَذَا وَهُوَ نسخ الْقيَاس للْقِيَاس لَا بِغَيْرِهِ وَنقل عَن الشَّافِعِي وَعَن جمَاعَة من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَقد مثل فِي المطولات بمسائل فرضيات تشغل الأوراق وَلم يَأْتِ بهَا تَكْلِيف بالِاتِّفَاقِ
وَقَوله ... والنسخ بالآحاد للتواتر ... يمْنَع وَالْعلم بِهِ للنَّاظِر ...

هَذِه مَسْأَلَة عدم جَوَاز نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد سَوَاء كَانَ الْمُتَوَاتر قُرْآنًا أَو سنة فَإِنَّهُ لَا يجوز نسخه بالآحاد وَهَذَا هُوَ قَول الْجُمْهُور وَهُوَ مفَاد النّظم تَصْرِيحًا استدلوا على ذَلِك بِأَن الظني وَهُوَ الآحادي لَا يُقَاوم الْقطعِي فَلَا يجوز رَفعه وإبطاله بِهِ وَخَالف آخَرُونَ وَأَجَابُوا عَمَّا ذكر بِأَنَّهُ قد صَحَّ تَخْصِيص الْمُتَوَاتر بالآحاد وَالْكل بَيَان غَايَة الْفرق بَينهمَا أَنه بَيَان فِي الْأَعْيَان والنسخ بَيَان فِي الْأَزْمَان وَهَذَا الْفرق لَا يَقْتَضِي الْعَمَل بِهِ فِي أَحدهمَا دون الآخر
وَأجِيب من طرف الْأَوَّلين بِأَن التَّخْصِيص جمع بَين الدَّلِيلَيْنِ والنسخ رفع وَإِبْطَال وَلَيْسَ جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ فَاكْتفى بِالْأولِ بالآحاد دون الآخر فَلَا بُد فِيهِ من الْمُسَاوَاة فِي قُوَّة الدّلَالَة وَأجِيب بِأَن دَلِيل الْمَنْسُوخ وَإِن كَانَ قَطْعِيّ الدّلَالَة فَإِنَّهُ لَيْسَ قَطْعِيا فِي الدَّوَام ظَنِّي الدكالة فِيهِ تجوز الدَّوَام بالظني وَلَو كَانَ دَوَامه قَطْعِيا لما جَازَ نسخه بالقطعي إِذا عرفت هَذَا فورود النَّاسِخ بَيَان لانْتِهَاء مُدَّة الحكم الشَّرْعِيّ وَإِن سمي رفعا فَلَيْسَ هُنَاكَ رفع حَقِيقِيّ كَمَا سبقت إِلَيْهِ إِشَارَة وَحِينَئِذٍ فَلَا يتم الْفرق الَّذِي ذكرْتُمْ وَالْحَاصِل أَن الْعَام مُرَاد بِهِ الْبَعْض من أَفْرَاده دون الْكل مِنْهَا وَورد الْخَاص قرينَة تِلْكَ الْإِرَادَة وَكَذَا الْمَنْسُوخ من بَاب الْمُطلق الَّذِي أُرِيد بِهِ الْمُقَيد والنسخ قرينَة التَّقْيِيد لِأَن قَوْله افْعَل يصلح للمرة ولأكثر من ذَلِك إِلَى أخر الْأَبَد والناسخ قَيده بِبَعْض الْأَوْقَات وَأَيْضًا فَالْعَمَل بالناسخ جمع بَين الدَّلِيلَيْنِ للْعَمَل بِأَحَدِهِمَا فِي الزَّمن الأول وَبِالثَّانِي فِي الزَّمن الآخر وَبِهَذَا يعرف قُوَّة قَول غير الْأَكْثَرين وَهُوَ جَوَاز نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد كجواز تَخْصِيص الْعَام بهَا

الصفحة 380