كتاب أصول الفقه إجابة السائل شرح بغية الآمل

لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي وَغير ذَلِك مِمَّا دلّ أَنه لَيْسَ عَن وَحي
وَأجِيب بِأَن الْآيَة الأولى من غير مَحل النزاع فَإِنَّهُ فِيمَا يتَعَلَّق بالحروب والآراء وكأمره بترك تأبير النّخل وَأما الحَدِيث فَقَالَ تطييبا لقلوب أَصْحَابه لما تكلمُوا عَن الْفَسْخ حِين أَمرهم بِهِ وَكَانَ مُخَيّرا بَين سوق الْهَدْي وحجه قَارنا وَعدم سوقه وَيفْسخ فساقه فَلَزِمَهُ الْقرَان فَمَا كَرهُوا أَن يُخَالف نسكهم نُسكه أخْبرهُم بِأَنَّهُ لَو عرف أَنهم يكْرهُونَ خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ لما سَاق الْهَدْي وَأَنه كَانَ مُخَيّرا بَين سوقه وَعَدَمه
وَذهب قوم إِلَى أَنه لَا يَقع مِنْهُ اجْتِهَاد ومستدلين بقوله تَعَالَى {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} وَبِقَوْلِهِ {إِن أتبع إِلَّا مَا يُوحى إِلَيّ} وَغير ذَلِك فَدلَّ على أَن جَمِيع أَحْكَامه عَن الْوَحْي وَفِي السّنة أَدِلَّة كَثِيرَة دَالَّة على هَذَا وَقد كَانَ يسْأَل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُجيب حَتَّى يَأْتِيهِ الْوَحْي كَمَا فِي قصَّة الْأَعرَابِي الَّذِي سَأَلَهُ مَا يصنع فِي عمرته وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ كثير جدا وينشرح لَهُ الصَّدْر وَيعلم بِهِ قُوَّة خلاف مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور وَلذَا قُلْنَا وَالْحق لَا يخفى على النبيه على أَن ثَمَرَة الْخلاف قَليلَة جدا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجِب علينا اتِّبَاعه والانقياد لما حكم بِهِ قَالُوا سَوَاء كَانَ عَن اجْتِهَاد أَو وَحي فَلَا يتم الْإِيمَان إِلَّا بذلك كَمَا هُوَ نَص قَوْله تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} وَقَالَ تَعَالَى {فاحكم بَينهم بِمَا أنزل الله} وَغير ذَلِك
وَلما تعرض لمسألة اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعرضنا لمسألة اجْتِهَاد أَصْحَابه فِي عصره بقولنَا ... وَالِاجْتِهَاد وَاقع فِي حَضرته ... وَغَيرهَا من فائز بِصُحْبَتِهِ ...

الْبَيْت قد أَفَادَ أَنه قد وَقع الِاجْتِهَاد من أَصْحَابه فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من الْحَاضِر فِي بلدته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر إِذْنه وَمن الْغَائِب وَمن الْوَالِي

الصفحة 387