كتاب أصول الفقه إجابة السائل شرح بغية الآمل

النَّوْعَيْنِ بل ذكرُوا فروقا ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة فَمِنْهَا أَن الْمسَائِل الْأُصُولِيَّة هِيَ الَّتِي يطْلب فِيهَا الِاعْتِقَاد وَالْعلم فَقَط ومسائل الْفُرُوع وَهِي العملية الَّتِي يطْلب فِيهَا الْعَمَل وَهَذَا بَاطِل فَإِن الْمسَائِل الفروعية فِيهَا مَا يكفر جاحده مثل وجوب الصَّلَوَات الْخمس وَالزَّكَاة وَالصَّوْم لرمضان وَكثير من الْمسَائِل العلمية لَا يَأْثَم المتنازعون فِيهَا كالتنازع فِي مَسْأَلَة الْجَوْهَر الْفَرد وتماثل الْأَجْسَام وَبَقَاء الْأَعْرَاض وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ فِيهَا تَكْفِير وَلَا تفسيق وَلَا تأثيم
قَالُوا والمسائل العملية فِيهَا علم وَعمل فَإِذا كَانَ الْخَطَأ فِيهَا مغفورا فالتي فِيهَا علم بِلَا عمل أولى أَن يكون الْخَطَأ فِيهَا مغفورا وَمن الفروق بَينهمَا أَن الْأُصُولِيَّة مَا عَلَيْهَا دَلِيل قَطْعِيّ والفروعية مَا لَيْسَ كَذَلِك وَهَذَا ظَاهر الْبطلَان فَإِن كثيرا من الْمسَائِل الفرعية عَلَيْهَا أَدِلَّة قَطْعِيَّة بِالْإِجْمَاع كتحريم الْمُحرمَات
قَالَ وَمن الْأَدِلَّة عدم التأثيم قَوْله تَعَالَى {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} قَالَ الله تَعَالَى قد فعلت وَلم يفرق بَين الْخَطَأ الْقطعِي والظني بل لَا يجْزم خطأ إِلَّا إِذا أَخطَأ قطعا قَالُوا فَالْقَوْل بالتأتيه فِي الْمسَائِل القطعية مُخَالف للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع الْقَدِيم قَالُوا وَأَيْضًا فكون الْمَسْأَلَة ظنية أَو قَطْعِيَّة أَمر إضافي بِحَسب النّظر لَيْسَ هُوَ وَصفا لِلْقَوْلِ فِي نَفسه فَإِن الْإِنْسَان قد يقطع بأَشْيَاء صَارَت عِنْده ضَرُورِيَّة إِمَّا بِالنَّقْلِ أَو بِغَيْرِهِ وَغَيره لَا يعرف شَيْئا من ذَلِك لَا ظنا وَلَا قطعا وَقد يكون الْإِنْسَان ذكيا قوي الذِّهْن سريع الْإِدْرَاك يعرف الْحق وَيقطع بِمَا لَا يتصوره غَيره وَلَا يعرفهُ لَا علما وَلَا ظنا فالقطع وَالظَّن حِينَئِذٍ بِحَسب مَا يفهمهُ الْإِنْسَان وبحسب قدرته على الِاسْتِدْلَال وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِي هَذَا وَهَذَا فَعلم أَن الْفرق لَا يطرد وَلَا ينعكس انْتهى
وَإِنَّمَا نَقَلْنَاهُ ليعلم أَن الصَّوَاب عدم التأثيم فِي القطعيات أَيْضا لمجتهد من أَئِمَّة الْإِسْلَام فَإِن الحكم بالتأثيم يحْتَاج إِلَى دَلِيل شَرْعِي وَالْفَرْض أَن الْحق مَعَ وَاحِد فتأثيم مُعينَة لَا من الدَّلِيل عَلَيْهِ على فرض التأثيم وَإِلَّا فالأدلة

الصفحة 390