كتاب أصول الفقه إجابة السائل شرح بغية الآمل

قَالُوا قد استفاضت السّنة النَّبَوِيَّة بتصويب الْمُجْتَهد وَعدم التخطئة كَمَا قدمْنَاهُ فِي صَلَاة الْعَصْر فِي غَزْوَة بني قُرَيْظَة وَاخْتِلَاف اجتهادهم فِي ذَلِك وَإِن مِنْهُم من صلاهَا بعد غرُوب الشَّمْس وَمِنْهُم من صلاهَا فِي وَقتهَا وأقرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو كَانَ أَحدهمَا مخطئا لعنفوا وَبَين الْمُصِيبَة بالثناء عَلَيْهِم والقضايا فِي ذَلِك وَاسِعَة فِي السّنة
وَأجِيب بِأَن المخطىء عَن اجْتِهَاد لَا يعاب وَلَا يذم وَالثنَاء على من أصَاب الحكم لَيْسَ بِلَازِم فعدمه لَا يدل على مَا ذكرْتُمْ بل قد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو صليت بِأَصْحَابِك وَأَنت جنب قَالَ سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} فَلم يقل لَهُ بِشَيْء بعد بَيَان دَلِيل اجْتِهَاده نعم لَو كَانَ الْفَاعِل غير مُجْتَهد للامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا ترَاهُ قَالَ فِي صابح الشَّجَّة لما أفتاه أَصْحَابه بِأَن يغْتَسل فَمَاتَ قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله هلا سَأَلُوا إِذا لم يعلمُوا فَإِنَّمَا شِفَاء العيي السُّؤَال وغايته عدم ذمّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَا يدل على أَنَّهُمَا أصابا مَا عِنْد الله بل المخطئة مِنْهُم مأجورة أجرا وَاحِدًا وَهِي مُعينَة عِنْد الله تَعَالَى
وَاسْتدلَّ الْفَرِيق الآخر الْقَائِلُونَ بالتخطئة بأدلة عقلية جدلية وأدلة سمعية نقتصر أَيْضا عَلَيْهَا قَالُوا السّنة النَّبَوِيَّة قد جَاءَت صَرِيحَة بالتخطئة فَوَجَبَ الحكم بذلك من ذَلِك مَا أخرجه مُسلم وَغَيره من حَدِيث بُرَيْدَة مَرْفُوعا إِذا حاصرت قوما فَلَا تنزلهم على حكم الله بل أنزلهم على حكمك فَإنَّك لَا تَدْرِي أتصيب فيهم حكم الله أَو لَا وَهَذَا صَرِيح فِي الْمُدَّعِي وَمن ذَلِك مَا أخرجه الْجَمَاعَة من حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب

الصفحة 393