كتاب أصول الفقه إجابة السائل شرح بغية الآمل

أَي أَن الدَّلِيل إِذا عضده عمل أهل الْمَدِينَة فَإِنَّهُ أرجح لِأَنَّهَا مهبط الْوَحْي وقبة الْإِسْلَام فيقوى الظَّن بِعَمَل أَهلهَا فِي الدَّلِيل وَكَذَلِكَ عمل الأعلم بِأحد الدَّلِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يكون الْأَرْجَح من دَلِيل لم يعْمل بِهِ لكَونه أعرف بمأخذ الْأَحْكَام وَأخْبر بمواقع الْأَدِلَّة فيقوى الظَّن بِمَا عمل بِهِ ... ثمَّ الَّذِي فسره رَاوِيه ... فَإِنَّهُ أدرى بِمَا يرويهِ ...

أَي يرجح مَا فسره رَاوِيه على غَيره مِمَّا لم يُفَسر لكَونه أعرف بِمَعْنى مَا رَوَاهُ وَأخْبر بِهِ مثل حَدِيث البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يفترقا فَإِنَّهُ يحْتَمل التَّفَرُّق بالأقوال أَو بالأبدان ففسره فعل ابْن عمر أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ إِمْضَاء البيع يمشي قَلِيلا ثمَّ يرجع ... وَهَكَذَا قرينَة التَّأَخُّر ... من طرق التَّرْجِيح عِنْد الْأَكْثَر ...

أَي وَمثل مَا سلف قرينَة التَّأَخُّر فَإِنَّهَا تكون مرجحة كتأخر إِسْلَام الرَّاوِي أَو تأريخه للْحَدِيث تأريخا مُتَأَخِّرًا وَهَذِه المرجحات بِاعْتِبَار الْأَغْلَب وَإِلَّا فقد يعرض للمجتهد خلاف مَا قرر بقرائن تقوم لَدَيْهِ تَقْتَضِي ذَلِك وَإِلَى هُنَا انْتهى مَا ذكر من المرجحات النقلية
وَقد ذكر أَئِمَّة الْأُصُول مرجحات عقلية أَشَارَ إِلَيْهَا قَوْله ... هَذَا وَهَا هُنَا قد انْتَهَت ... مرجحات النَّقْل وَالْعقل أَتَت ...

المُرَاد بالعقلية مَا يتَعَلَّق بِالْقِيَاسِ وَسمي عقليا لِأَن التَّعْمِيم بِالْعِلَّةِ وإثباتها فِي مُفْرَدَات مَا ألحق بِالْأَصْلِ عِنْد النَّص على الْعلَّة عَقْلِي وَهَذَا تَوْجِيهه للتسمية فِي الْجُمْلَة وَإِلَّا فَبعد التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ قد صَار نقليا شَرْعِيًّا وَإِذا عرفت هَذَا فالترجيح بَين القياسين عِنْد تعارضهما لَا يَخْلُو عَن أَرْبَعَة أَقسَام إِمَّا أَن يكون بِحَسب حكم الأَصْل أَو بِحَسب الْعلَّة نَفسهَا أَو بِحَسب دَلِيل الْعلَّة أَو بِحَسب الْفَرْع فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَنْوَاع الأول مَا أَفَادَ قَوْله ... فَفِي القياسين دع الظنيا ... لما يكون حكمه قَطْعِيا ...

الصفحة 430