كتاب الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي

الأثر والخبر، وينكر مناهج البحث والنظر، أو لا يعلم انه لا مستند للشرع إلا قول سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وبرهان العقل هو الذي عرف به صدقه فيما أخبر، وكيف يهتدي للصواب من اقتفى محض العقل واقتصر، وما استضاء بنور الشرع ولا استبصر؟ فليت شعري كيف يفزع إلى العقل من حيث يعتريه العي والحصر؟ أو لا يعلم ان العقل قاصر وأن مجاله ضيق منحصر؟ هيهات قد خاب على القطع والبتات وتعثر بأذيال الضلالات من لم يجمع بتأليف الشرع والعقل هذا الشتات. فمثال العقل البصر السليم عن الآفات والاذاء. ومثال القرآن الشمس المنتشرة الضياء. فاخلق بأن يكون طالب الاهتداء. المستغني إذا استغني بأحدهما عن الآخر في غمار الأغبياء، فالمعرض عن العقل مكتفياً بنور القرآن، مثاله المتعرض لنور الشمس مغمضاً للأجفان، فلا فرق بينه وبين العميان. فالعقل مع الشرع نور على نور، والملاحظ بالعين العور لأحدهما على الخصوص متدل بحبل غرور. وسيتضح لك أيها المشوق إلى الاطلاع على قواعد عقائد أهل السنة، المقترح تحقيقها بقواطع الأدلة، أنه لم يستأثر بالتوفيق للجمع بين الشرع والتحقيق فريق سوى هذا الفريق. فاشكر الله تعالى على إقتفائك لآثارهم وانخراطك في سلك نظامهم وعيارهم واختلاطك بفرقتهم؛ فعساك أن تحشر يوم القيامة في زمرتهم. نسأل الله تعالى أن يصفي أسرارنا عن كدورات الضلال، ويغمرها بنور الحقيقة، وأن يخرس ألسنتنا عن النطق بالباطل، وينطقها بالحق والحكمة إنه الكريم الفائض المنة الواسع الرحمة.

باب
ولنفتح الكلام ببيان اسم الكتاب، وتقسيم المقدمات والفصول والأبواب. أما اسم الكتاب فهو الاقتصاد في الاعتقاد. وأما ترتيبه فهو مشتمل على أربع تمهيدات تجري مجرى التوطئة والمقدمات، وعلى أربع أقطاب تجري مجرى المقاصد والغايات.
التمهيد الأول: في بيان أن هذا العلم من المهمات في الدين.
التمهيد الثاني: في بيان أنه ليس مهماً لجميع المسلمين بل لطائفة منهم مخصوصين.
التمهيد الثالث: في بيان أنه من فروض الكفايات لا من فروض الأعيان.
التمهيد الرابع: في تفصيل مناهج الأدلة التي أوردتها في هذا الكتاب.
وأما الأقطاب المقصودة فأربعة وجملتها مقصورة على النظر في الله تعالى. فإنا إذا نظرنا في العالم لم ننظر فيه من حيث أنه عالم وجسم وسماء وأرض، بل من حيث

الصفحة 10