كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

إلقاؤه إليها أكثر من غيرها وإن أهم ما اشتغل به أهل العلم والدين توصيل ذلك إليهم فأما الأول فلفراغ قلوبهم والقلب الفارغ يقبل مما يلقى إليه بلا مشقة ولا تعب ثم إذا دخله ولم يخرج منه بل كما قال قائلهم:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكنا
فمعنى خير القلوب أخيرها أي أفضلها وأحسنها وأوعاها أحفظها وسمى الوعاء وعاء لأنه يحفظ ما يلقى {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] أي تحفظها والخير في قوله للخير المراد به ما فيه صلاح ومنفعة وهو هنا العلم والعمل وخير كل قوم على حسب ما هم فيه فخير الزهاد في نفي الدنيا عنهم وخير غيرهم في حصولها لهم إلى غير ذلك وأرجى القلوب أي أكثر القلوب يرجى له حصول الخير الذي هو العلم والعمل ما لم يسبق الشر الذي هو السوء والمكروه إليه وقلوب أولاد المؤمنين كذلك لكونها لم يسبق الشر إليها مع إيعائها للخير لانتفاء الشواغل والشواغب عنها وإذا كان الأمر كذلك كان المطلوب بل الأهم والأولى السعي في عمارة هذه القلوب بكل أمر محبوب ومطلوب لأنه زرع في أرض طيبة وعمل في محل معمل فيتعين على العالم الناصح لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين أن يعمل بما علم ويعلمه من لم يعلم إذا كان أهلاً للتعليم أو كان واجباً عليه فقد جاء في الخبر " لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ولا تؤتوها غير أهلها فتظلموها " وفي معنى ذلك قيل:
ومن منح الجهال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
ثم قال: أعلم كلمة تنبيه لمحط الفائدة والقلوب جمع قلب عبر به عن العقل بملازمته له والرجاء: تعلق القلب بمطموع يحصل في المستأنف مع الأخذ في العمل المحصل له وأولى أحق وأهمها عنوا به بالفهم صرف العناية إليه وتهمهم به ويروى بالفتح مع ما فيه أي تعب فيه نفسه وأسرها لأجله والناصحون جمع ناصح وهو العامل في نفع الخلق بما أمكنه وفي حقوق نفسه أو حقوق الله.
وفي مسلم من طريق تميم بن أوس الداري رضي الله عنه: «الدين النصيحة» قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين وخاصتهم» ورغب طلب بجد واجتهاد والراغبون جمع راغب وهم المجدون في الطلب والأجر:

الصفحة 26