كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)
يخل أن يشبههم من كل جهة فيكون حادثاً مثلهم أو من بعض الجهات فيكون حادثاً من تلك الجهة لأن جميع جهات العالم حادثة وهو تعالى قديم باق منزه عن الحدوث.
وأما وحدانية الأفعال فلأنه لو كان اثنان فإما أن يقدر كل واحد منهما أن يمنع الآخر مما يريد أم لا أو يقدر أحدهما دون الآخر أو يتفقان والكل باطل لأن الأول يؤذن بعجزهما والثاني بعجز أحدهما والثالث مشروط بجواز انعدامهما ولو وجد قادران كانت نسبة المقدورات لهما سواء ولا مخالف في التوحيد إلا الثنوية القائلون بالنور والظلمة وكذلك الطبائعية والأفلاكية والمسبعة منهم، فأما النصارى فيقولون بتعدد القدماء في ذاته ويسمونه جوهراً أو يقولون هو ثلاثة أقانيم اتحدث في ذات القديم:
وجود وعلم وحياة فالوجود أب والعلم ابن وهو المسيح عندهم والحياة روح القدس، ولطائفة منهم أب هو الله وعيسى ابن مريم زوجة.
وقد رد الله على الجميع بقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73] الآية وقال عز من قائل: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ} [المؤمنون: 117] فكل ما ذكرناه مداره على هذه الآية وعلى قوله عز وجل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، وقوله جل ذكره {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] وقد سئل بعضهم عن الله تعالى فقال: إن سألت عن ذاته فليس كمثله شيء، وإن سألت عن صفاته فهو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وإن سألت عن أسمائه: فـ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: 22] إلى آخر السورة وإن سألت عن أفعاله فكل يوم هو في شأن قيل يغفر ذنباً ويكشف كرباً ويبتلي قوماً ويعافي آخرين انتهى.
والنقل في هذا الباب واسع والنظر فيه على بساط التتريه ونفي التشبيه والتبري من الشبه من أعظم شيء في زيادة الإيمان وبالله التوفيق.
(ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء).
أي أن ما وقع في القرآن من اسمه الأول والآخر معناه أول بلا بداية، آخر بلا نهاية لا أن ثم أولية وآخرية تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً. ومدار كلامه على إثبات
الصفحة 34
1196